يأمر تعالى بذكره أول النهار وآخره ، كما أمر بعبادته في هذين الوقتين في قوله:( وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب ) [ ق:39] وقد كان هذا قبل أن تفرض الصلوات الخمس ليلة الإسراء ، وهذه الآية مكية .
وقال هاهنا بالغدو - وهو أوائل النهار:( والآصال ) جمع أصيل ، كما أن الأيمان جمع يمين .
وأما قوله:( تضرعا وخيفة ) أي:اذكر ربك في نفسك رهبة ورغبة ، وبالقول لا جهرا ; ولهذا قال:( ودون الجهر من القول ) وهكذا يستحب أن يكون الذكر لا يكون نداء و [ لا] جهرا بليغا ; ولهذا لما سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا:أقريب ربنا فنناجيه أم بعيد فنناديه ؟ فأنزل الله:( وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان ) [ البقرة:186]
وفي الصحيحين عن أبي موسى الأشعري قال:رفع الناس أصواتهم بالدعاء في بعض الأسفار ، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم:"أيها الناس ، أربعوا على أنفسكم ، فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا ; إن الذي تدعونه سميع قريب "
وقد يكون المراد من هذه الآية كما في قوله تعالى:( ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا ) [ الإسراء:110] فإن المشركين كانوا إذا سمعوا القرآن سبوه ، وسبوا من أنزله ، و [ سبوا] من جاء به ; فأمره الله تعالى ألا يجهر به ، لئلا ينال منه المشركون ، ولا يخافت به عن أصحابه فلا يسمعهم ، وليتخذ سبيلا بين الجهر والإسرار . وكذا قال في هذه الآية الكريمة:( ودون الجهر من القول بالغدو والآصال ولا تكن من الغافلين )
وقد زعم ابن جرير وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم قبله:أن المراد بهذه الآية:أمر السامع للقرآن في حال استماعه بالذكر على هذه الصفة . وهذا بعيد مناف للإنصات المأمور به ، ثم المراد بذلك في الصلاة ، كما تقدم ، أو الصلاة والخطبة ، ومعلوم أن الإنصات إذ ذاك أفضل من الذكر باللسان ، سواء كان سرا أو جهرا ، فهذا الذي قالاه لم يتابعا عليه ، بل المراد الحض على كثرة الذكر من العباد بالغدو والآصال ، لئلا يكونوا من الغافلين ; ولهذا مدح الملائكة الذين يسبحون الليل والنهار لا يفترون