وقوله تعالى:
/ [ 205]{ واذكُرْ رَبَّكَ في نفسِكَ تضَرُّعًا وخِيفَة ودونَ الجَهْر من القول بالغدُوِّ والآصَال ولا تكن مّنَ الغافِلِينَ ( 205 )} .
{ واذكُرْ رَبَّكَ في نفسِكَ تضَرُّعًا وخِيفَة ودونَ الجهر من القولبالغدُوِّ والآصَال} خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ،والمراد عامّ .أو المعنى:واذكر ربك أيها الإنسان .الأول أظهر ،لأن ما خوطب به النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكن من خصائصه ،فإنه مشروع لأمته .وقد أوضح هذا آية:{ يَا أيُّهَا الذين آمنُوا اذكُرُوا الله ذِكرًا كثيرا ،وسَبِّحُوهُ بُكرَة وأصِيلا}{[4291]} .والأمر بالذكر ،قال الزمخشري:هو عام في الأذكار من قراءة القرآن والدعاء والتسبيح والتهليل وغير ذلك .وقال بعض الزيدية:هذا الأمر يحتمل الوجوب ،إن فسر الذكر بالصلاة ،وإن أريد الدعاء أو الذكر باللسان ،فهو محمول على الاستحباب .قال:وبكل فسرت الآية .
ثم إنه تعالى ذكر آدابا لذكره:
الأول:أن يكون في نفسه ،لأن الإخفاء أدخل في الإخلاص ،وأقرب إلى الإجابة ،وأبعد من الرياء .
الثاني:أن يكون على سبيل التضرع ،وهو التذلل والخضوع والاعتراف بالتقصير ،ليتحقق بذلة العبودية لعزة الربوبية .
الثالث:أن يكون على وجه الخيفة أي الخوف والخشية من سلطان الربوبية ،وعظمة الألوهية ،من المؤاخذة على التقصير في العمل ،لتخشع النفس ،ويخضع القلب .
/ الرابع:أن يكون دون الجهر ،لأنه أقرب إلى حسن التفكر .قال ابن كثير:فلهذا يستحب أن لا يكون الذكر نداءً ولا جهرا بليغا .وفي ( الصحيحين ){[4292]} عن أبي موسى الأشعريّ رضي الله عنه قال: "رفع الناس أصواتهم بالدعاء في بعض الأسفار ،فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم:يا أيها الناس! اربعوا على أنفسكم ،فإنكم لا تدعون أصمّ ولا غائبا .إن الذي تدعونه سميع قريب .أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته ".قال الإمام:المراد أن يقع الذكر متوسطا بين الجهر والمخافتة ،كما قال تعالى:{ ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا}{[4293]} .
الخامس:أن يكون باللسان لا بالقلب وحده ،وهو مستفاد من قوله{ ودون الجهر} لأن معناه:ومتكلما كلاما دون الجهر ،فيكون صفة لمعمول حال محذوفة معطوفا على{ تضرعا} ،أو هو معطوف على{ في نفسك} .أي اذكره ذكرا في نفسك ،وذكرا بلسانك دون الجهر .
السادس:أن يكون بالغدوّ والآصال ،أي في البكرة والعشيّ .فتدل الآية على مزية هذين الوقتين ،لأنهما وقت سكون ودعة وتعبد واجتهاد .وما بينهما ،الغالب فيه الانقطاع إلى أمر المعاش .وقد روي:أن عمل العبد يصعد أول النهار وآخره ،فطلب الذكر فيهما ،ليكون ابتداء عمله واختتامه بالذكر .
ثم نهى تعالى عن الغفلة عن ذكره بقوله:{ ولا تكن مّنَ الغافِلِينَ} أي من الذين يغفلون عن ذكر الله ،ويلهون عنه ،وفيه إشعار بطلب دوام ذكره تعالى ،واستحضار عظمته وجلاله وكبريائه ،بقدر الطاقة البشرية .