المفردات:
تضرعا: تذللا .
وخيفة: وخوفا .
الغدو: أول النهار .
الآصال: جمع أصيل: وهو آخر النهار والمقصود من الغدو والآصال هنا: جميع الأوقات .
التفسير:
{205 – واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والآصال ولا تكن من الغافلين} .
تكمل هذه الآية مع ما سبقها منهج حياة المسلم ،وكيف سما القرآن بنفوس العرب ،فجعل حياتهم وسلوكهم في هدى القرآن وذكر الرحمان .
والآية السابقة أمرت المسلمين بالاستماع والإنصات للقرآن ،فلعل آية واحدة يتأمل فيها المسلم أو يستمتع وينصت ،تفتح له أبوابا من فضل الله ورحمته .
والآية معنا توصى بالآتي:
ينبغي أن يذكر المؤمن ربّه سرا في نفسه بذكر أسمائه وصفاته ونعمائه وفضله حتى يعترف بشكره كما ينبغي أن يذكره ضارعا متذللا ؛خائفا راجيا ثوابه وفضله ،وينبغي أن ينوع ذكره لله ؛فمرة سرا وفكرا ومرة ذكرا متوسطا بين الإسرار والجهر وفي كل حال ينبغي أن يكون ذكر اللسان مقرونا باستحضار القلب ،وملاحظة المعاني ،فذكر اللسان وحده ضعيف الأثر ،والواجب الجمع بين ذكر القلب وذكر اللسان ،وأن يكون الذاكر راغبا في الثواب راهبا من العقاب .
وفي معنى الآية يقول الله تعالى:{ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا} . ( الإسراء: 110 ) .
وقال سبحانه وتعالى:{يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا * وسبحوه بكرة وأصيلا} . ( الأحزاب:41 ؛42 ) .
وقال سبحانه:{واذكر اسم ربك بكرة وأصيلا} . ( الإنسان: 25 ) .
الغدو والآصال
الغدو: جمع غدوة: وهي ما بين صلاة الغداة( الفجر ) إلى طلوع الشمس .
الآصال: جمع أصيل: وهو العشيّ ما بعد صلاة العصر إلى غروب الشمس ،والمقصود: الذكر أوائل النهار وأواخره ،أي: في كل وقت .
إن القرآن بذلك يحرّك القلوب للنظر في ملكوت السماوات والأرض ،ولذكر الله عند بروق الفجر وانتشار الضوء وظهور النور في الأفق ،وهذه آية يذكر المؤمن فيها ربه .
قال تعالى:{وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب * ومن الليل فسبحه وأدبار السجود} . ( ق: 39 ،40 ) .
أي: اذكر ربك في كل حين خصوصا عند انبلاج الصبح قبل شروق الشمس وعند الأصيل قبيل الغروب ،وفي ظلام الليل ورؤية النجوم ،وبعد الصلاة والسجود .
وبهذا يظل قلب المؤمن متعلقا بفضل الله فالذكر نعمة وتذكر .
قال تعالى:{والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما} . ( الأحزاب: 35 ) .
في أعقاب الآية:
روى عن ابن عباس أنه قال: يعني بالغدوّ: صلاة الفجر ،والآصال: صلاة العصر .اه .
وقد ورد في الصحيح: تجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة العصر وفي صلاة الفجر ،اقرءوا إن شئتم قول الله تعالى: إن قرآن الفجر كان مشهودا104 . ( الإسراء: 78 ) .
الأفضل في الذكر التوسط وعدم الجهر ،وكذلك في الدعاء .
قال تعالى في الآية: ودون الجهر من القول .يقال: رجل جهير الصوت ؛إذا كان صوته عاليا .
روى الشيخان عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: كنا في سفر مع النبي صلى الله عليه وسلم ،فجعل الناس يجهرون بالتكبير فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"أيها الناس ،أربعوا على أنفسكم أنكم لا تدعون أصمّ ولا غائبا ،إنكم تدعون سميعا قريبا وهو معكم "105 .وفي الأثر"خير الذكر الخفي ".