القول في تأويل قوله تعالى:وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (8)
قال أبو جعفر:يقول تعالى ذكره:ولئن أخرنا عن هؤلاء المشركين من قومك ، يا محمد ، العذابَ فلم نعجله لهم، وأنسأنا في آجالهم،إلى (أمة معدودة )، ووقت محدود وسنين معلومة.
* * *
وأصل "الأمة "ما قد بينا فيما مضى من كتابنا هذا ، أنها الجماعة من الناس تجتمع على مذهب ودين، ثم تستعمل في معان كثيرة ترجع إلى معنى الأصل الذي ذكرت. (26) وإنما قيل للسنين "المعدودة "والحين ، في هذا الموضع ونحوه:أمة، لأن فيها تكون الأمة. (27)
* * *
وإنما معنى الكلام:ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى مجيء أمة وانقراض أخرى قبلها.
* * *
وبنحو الذي قلنا من أن معنى "الأمة "في هذا الموضع، الأجل والحين ، قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
17991- حدثنا محمد بن بشار قال ، حدثنا عبد الرحمن،وحدثني المثنى قال ، حدثنا أبو نعيم،قال ، حدثنا سفيان الثوري، عن عاصم، عن أبي رزين، عن ابن عباس. وحدثنا الحسن بن يحيي قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري، عن عاصم، عن أبي رزين، عن ابن عباس:(ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى أمة معدودة) ، قال:إلى أجل محدود.
17992- حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي، عن سفيان، عن عاصم، عن أبي رزين، عن ابن عباس، بمثله.
17994- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة:(إلى أمة معدودة)، قال:أجل معدود.
17995- حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا المحاربي، عن جويبر، عن الضحاك قال:إلى أجل معدود.
17996- حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:(إلى أمة معدودة) ، قال:إلى حين.
17997- حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
17998-. . . . قال، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
17999- حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج:(ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى أمة معدودة) ، يقول:أمسكنا عنهم العذاب، (إلى أمة معدودة ) ، قال ابن جريج، قال مجاهد:إلى حين.
18000- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله:(ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى أمة معدودة) ، يقول:إلى أجل معلوم. (28)
* * *
وقوله:(ليقولن ما يحبسه) ، يقول:"ليقولن "هؤلاء المشركون "ما يحبسه "؟ أي شيء يمنعه من تعجيل العذاب الذي يتوعَّدنا به؟ (29) تكذيبًا منهم به، وظنًّا منهم أن ذلك إنَّما أخر عنهم لكذب المتوعّد كما:-
18002- حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال قوله:(ليقولن ما يحبسه)، قال:للتكذيب به، أو أنه ليس بشيء.
* * *
وقوله:(ألا يوم يأتيهم ليس مصروفًا عنهم)، يقول تعالى ذكره تحقيقًا لوعيده وتصحيحًا لخبره:(ألا يوم يأتيهم ) العذابُ الذي يكذبون به، (ليس مصروفًا عنهم) ، يقول:ليس يصرفه عنهم صارف، ولا يدفعه عنهم دافع، ولكنه يحل بهم فيهلكهم (30)، (وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون) ، يقول:ونـزل بهم وأصابهم الذي كانوا به يسخرون من عذاب الله. (31) وكان استهزاؤُهم به الذي ذكره الله ، قيلهم قبل نـزوله (ما يحبسه ) ،و "هلا تأتينا "؟. (32)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك كان بعض أهل التأويل يقول.
*ذكر من قال ذلك:
18003- حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:(وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون) ، قال:ما جاءت به أنبياؤهم من الحق.
------------------------
الهوامش:
(26) انظر تفسير "الأمة "فيما سلف 13:285 ، تعليق:3 ، والمراجع هناك .
(27) انظر تفسير "معدودة "فيما سلف 3:417 / 4:208 ، وما بعدها .
(28) تجاوزت في الترقيم رقم:18001 ، سهوًا .
(29) انظر تفسير "الحبس "فيما سلف 11:172 .
(30) انظر تفسير "الصرف "فيما سلف 11:286 / 13:112 / 14:582 / 15:84 .
(31) انظر تفسير "حاق "فيما سلف 11:172 .،وتفسير "الاستهزاء "فيما سلف من فهارس اللغة ( هزأ ) .
(32) في المطبوعة:"نقلا بأنبيائه "، وهذا خلط لا معنى له . وفي المخطوطة:"ونعلا بأنبيائه "، والكلمة الأولى سيئة الكتابة ، وسائر الحروف غير منقوطة ، وهذا صواب قراءتها إن شاء الله .