التّفسير
استيعاب المؤمنين وعدم استيعاب غيرهم:
في هذه الآياتوبمناسبة البحث السابق عن غير المؤمنينبيان لزوايا الحالات النفسية ونقاط الضعف في أخلاق هؤلاء الأفراد والتي تجر &&&تجبر&&& الإِنسان إلى هاوية الظلام والفساد .
وأوّل صفة تذكر لهؤلاء هي السخرية من الحقائق وعدم الاكتراث بها وبالمسائل المصيرية ،فهؤلاء بسبب جهلهم وعدم معرفتهم وغرورهمحين يسمعون تهديد الأنبياء في مؤاخذة المسيئين ومعاقبتهم ،ثمّ تمرّ عليهم عدّة أيّام يؤخر الله تعالى بلطفه فيها العذاب عنهم ،نراهم يقولون باستهزاء مبطن: ما السبب في تأخرّ العذاب الإلهي ،و أين عقاب الله: ( ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى أُمّة معدودة ليقولنَّ ما يحبسه ) .
و «الأُمّة » مشتقّة من مادة «أمّ » وهي بمعنى الوالدة ،ومعناها في الأصل انضمام الأشياء بعضها إلى بعض ،ولذلك يقال لكل مجموعة على هدف معين ،أو زمان أو مكان واحد «أمة » .
وقد جاءت هذه الكلمة بمعنى الوقت والزمان أيضاً ،لأنّ أجزاء الزمان مرتبطة بعضها ببعض ،أو لأنّ المجموعة أو الجماعة تعيش في عصر وزمان معين ،فنحن نقرأ في سورة يوسف( عليه السلام ) الآية ( 45 ) مثلا ( وادّكر بعد أُمّة ) ..
ففي الآيةمحل البحثكلمة «الأُمّة » جاءت بهذا المعنى ،ولذلك وصفت بكلمة «معدودة » فمعنى الآية هو: إذا أخرنا عن هؤلاء العذاب والمجازاة لمدّة قصيرة قالوا: أي شيء يمنعه ؟!..
وعلى كل حال ،فهذه عادة الجاهلين والمغترين ،فكلّما وجدوا شيئاً لا ينسجم مع ميولهم وطباعهم عدّوه سخرية ،لذلك يتخذون التهديدات والنذر التي توقظ أصحاب الحق وتهزهم ..يتخذونها هزواً ويسخرون منها شأنهم شأن من يلعب بالنّار .
لكن القرآن يحذرهُم وينذرهم بصراحة في ردّه على كلامهم ،ويبين لهم أن لا دافع لعذاب الله إذا جاءهم ( ألا يوم يأتيهم ليس مصروفاً عنهم ) وأن الذين يسخرون منه واقع بهم ومدمّرهم ( وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون ) .
أجل ،ستصعد صرخاتهم إلى السماء في ذلك الحين ،ويندمون على كلماتهم المخجلة ،لكن لا صرخاتهم تغنيهم وتنقذهم ،ولا هذا الندم ينفعهم ،ولات حين مندم .