مطلب : يجوز للإنسان إظهار ضرّ مسه عند الحاجة إليه
قوله تعالى : { يا أَيُّهَا العَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ } إلى قوله : { وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا } . لما ترك يوسف عليه السلام النكير عليهم في قوله : { مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضّرُّ } دلّ ذلك على جواز إظهار مثل ذلك عند الحاجة إليه وأنه لا يجري مجرى الشكوى من الله تعالى .
وقوله : { فأَوْفِ لَنا الكَيْلَ } يدلّ على أن أجرة الكيّال على البائع ؛ لأن عليه تعيين المبيع للمشتري ولا يتعين إلا بالكيل ، وقد قالوا له : { فَأَوْفِ لَنَا الكَيْلَ } فدلّ على أن الكيل قد كان عليه .
فإن قيل : نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الطعام حتى يجري فيه الصاعان صاع البائع وصاع المشتري ، وهذا يدل على أن الكيل على المشتري ؛ لأن مراده الصاع الذي اكتال به البائع من بائعه وصاعُ المشتري هو ما اكتاله المشتري الثاني من البائع . قيل له : قوله " صاع البائع " لا دلالة فيه على أن البائع هو الذي اكتال ، وجائز أن يريد به الصاع الذي كال البائع به بائعه وصاع المشتري الذي كَالَهُ له بائعه ، فلا دلالة فيه على الاكتيال على المشتري ؛ وإذا صح ذلك فيما وصفنا من الكيل فواجب أن يكون أجرة وِزَانِ الثمن على المشتري ؛ لأن عليه تعيين الثمن للبائع ، ولا يتعين إلا بوزنه فعليه أجرة الوزان . وأما أجرة الناقد فإن محمد بن سماعة روى عن محمد : " أنه قبل أن يستوفيه البائع فهو على المشتري لأن عليه تسليم الثمن إليه صحيحاً ، وإن كان قد قبضه البائع فأجرة الناقد على البائع لأنه قد قبضه وملكه ، فعليه أن يبين أن شيئاً منه معيب يجب رده " .
قوله تعالى : { وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا } ؛ قال سعيد بن جبير : إنما سألوا التفضل بالنقصان في السعر ولم يسألوا الصدقة " . وقال سفيان بن عيينة : " سألوا الصدقة وهم أنبياء وكانت حلالاً ، وإنما حرّمت على النبي صلى الله عليه وسلم " . وكره مجاهد أن يقول في دعائه اللهمّ تصدق عليَّ ؛ لأن الصدقة إنما هي ممن يبتغي الثواب .