قوله عز وجل : { تُؤْتي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا } . روى أبو ظبيان عن ابن عباس قال : " غدوة وعشية " . وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : " هي النخلة تطعم في كل ستة أشهر " ، وكذلك رُوي عن مجاهد وعامر وعكرمة . وروى الليث بن سعد وسليمان بن أبي كثير عن علي قال : " أرى الحين سنة " ، وكذلك رُوي عن الحكم وحماد من قولهما ، وكذلك رُوي عن عكرمة في رواية من قوله . وقال سعيد بن المسيب : " الحِينُ شهران ، من حين تصرم النخل إلى أن تطلع " ، وروى عنه أن النخلة لا تكون فيها أُكُلها إلا شهرين ، ورُوي عنه أن الحين ستة أشهر . وروى القاسم بن عبدالله عن أبي حازم عن ابن عباس أنه سئل عن الحين فقال : { تُؤْتي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ } : ستة أشهر ، { ليسجننه حتى حين } [ يوسف : 35 ] : ثلاث عشرة سنة ، { لتعلمن نبأه بعد حين } [ ص : 88 ] : يوم القيامة . وروى هشام بن حسان عن عكرمة أن رجلاً قال : إن فعلت كذا وكذا إلى حين فغلامه حرّ ، فأتى عمر بن عبدالعزيز فسأله ، فسألني عنها فقلت : إن مِنَ الحينِ حِينٌ لا يدرك قوله : { وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين } [ الأنبياء : 111 ] فأرى أن يمسك ما بين صِرَام النخل إلى حَمْلها ؛ فكأنه أعجبه . وروى عبدالرزاق عن معمر عن الحسن : { تُؤْتي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ } قال : " ما بين ستة الأشهر أو السبعة " .
قال أبو بكر : الحِينُ اسمٌ يقع على وقت مبهم ، وجائز أن يراد به وقت مقدَّر ، قال الله تعالى : { فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون } [ الروم : 17 ] ، ثم قال : { وحين تظهرون } [ الروم : 18 ] ، فهذا على وقت صلاة الفجر ووقت الظهر ووقت المغرب على اختلاف فيه ؛ لأنه قد أريد به فعل الصلاة المفروضة في هذه الأوقات ، فصار " حين " في هذا الموضع اسماً لأوقات هذه الصلوات . ويشبه أن يكون ابن عباس في الرواية التي رُويت عنه في الحين أنه غدوة وعشية ذهب إلى معنى قوله تعالى : { حين تمسون وحين تصبحون } [ الروم : 17 ] ؛ ويُطلق ويُراد به أقصر الأوقات ، كقوله تعالى : { وسوف يعلمون حين يرون العذاب } [ الروم : 18 ] وهذا على وقت الرؤية وهو وقت قصير غير ممتدّ . ويُطلق ويُراد به أربعون سنة ؛ لأنه رُوي في تأويل قوله تعالى : { هل أتى على الإنسان حين من الدهر } [ الفرقان : 42 ] أنه أراد أربعين سنة ، والسنة والستة الأشهر والثلاث عشرة سنة والشهران على ما ذكرنا من تأويل السلف للآية كلّه محتمل ؛ فلما كان ذلك كذلك ثبت أن الحِينَ اسمٌ يقع على وقت مُبْهَمٍ وعلى أقصر الأوقات وعلى مُدَدٍ معلومة بحسب قصد المتكلم . ثم قال أصحابنا فيمن حلف أن لا يكلم فلاناً حيناً أنه على ستة أشهر ؛ وذلك لأنه معلوم أنه لم يُرِدْ به أقصر الأوقات ، إذ كان هذا القدر من الأوقات لا يُحلف عليه في العادة ، ومعلوم أنه لم يُرِدْ به أربعين سنة ؛ لأن من أراد الحلف على أربعين سنة حلف على التأبيد من غير توقيت . ثم كان قوله تعالى : { تُؤْتي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا } لما اختلف السلف فيه على ما وصفنا كان أقصر الأوقات فيه ستة أشهر ؛ لأن من حين الصِّرَامِ إلى وقت أوان الطَّلْعِ ستة أشهر ، وهو أوْلى من اعتبار السنة لأن وقت الثمرة لا يمتد سنة بل ينقطع حتى لا يكون فيه شيء ، وإذا اعتبرنا ستة أشهر كان موافقاً لظاهر اللفظ في أنها تطعم ستة أشهر وتنقطع ستة أشهر ؛ وأما الشهران فلا معنى لاعتبار من اعتبرهما لأنه معلوم أن من وقت الصّرام إلى وقت خروج الطلع أكثر من شهرين ، فإن اعتبر بقاء الثمرة شهرين فإنا قد علمنا أن من وقت خروج الطلع إلى وقت الصرام أكثر من شهرين أيضاً ، فلما بطل اعتبار السنة واعتبار الشهرين بما وصفنا ثبت أن اعتبار الستّة الأشهر أوْلى .