باب الجهر بالقراءة في الصلاة والدعاء
قال الله تعالى : { وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ ولا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً } . رُوي عن ابن عباس روايةً وعائشة ومجاهد وعطاء : " لا تجهر بدعائك ولا تخافت به " . ورُوي عن ابن عباس أيضاً وقتادة : " أن المشركين كانوا يؤذون رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جهر ولا يسمع من خلفه إذا خافت ، وذلك بمكة ، فأنزل الله تعالى : { وَلا تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ } وأراد به القراءة في الصلاة " . وقال الحسن : " لا تجهر بالصلاة بإشاعتها عند من يؤذيك ولا تُخَافِتْ بها عند من يلتمسها " ، فكان عند الحسن أنه أريد ترك الجهر في حالٍ وترك المخافتة في أخرى . وقيل : " ولا تجهر بصلاتك كلها ولا تخافت بجميعها وابتغ بين ذلك سبيلاً بأن تجهر بصلاة الليل وتخافت بصلاة النهار على ما أمرناك به " . ورُوي عن عبادة بن نُسَيّ عن غضيف بن الحارث قال : سألت عائشة أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجهر بالقرآن أو يخافت ؟ قالت : " ربما جهر وربما خافت " . وروى أبو خالد الوالبي عن أبي هريرة : " أنه كان إذا قام من الليل يخفض طوراً ويرفع طوراً وقال : هكذا كانت قراءة النبي صلى الله عليه وسلم " . ورُوي عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى الناس يصلّون في آخر رمضان فقال : " إنَّ المُصَلِّي إذا صَلَّى يُنَاجي رَبَّهُ فَلْيَعْلَمْ أَحَدُكُمْ بما يُنَاجِيهِ ولا يَجْهَرْ بَعْضُكُمْ على بَعْضٍ " . وروى أبو إسحاق عن الحارث عن عليّ قال : " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرفع الرجل صوته بالقرآن قبل العشاء وبعدها يغلط أصحابه في الصلاة " . ورُويت أخبار في الجهر بالقراءة في صلاة الليل ، رَوَى كريب عن ابن عباس قال : " كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في بعض حُجَرِهِ فيسمع قراءته من كان خارجاً " . وروى إبراهيم عن علقمة قال : " صليت مع عبدالله ليلة فكان يرفع صوته بالقراءة فيسمع أهل الدار " . ورُوي أن أبا بكر كان إذا صلَّى خفض صوته وأن عمر كان إذا صلى رفع صوته ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر : " لم تَفْعَلُ هَذَا ؟ " قال : أناجي ربي وقد علم حاجتي ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " أَحْسَنْتَ ! " وقال لعمر : " لِمَ تَفْعَلُ هَذَا ؟ " فقال : أوقظ الوَسْنَانَ وأطرد الشيطان ، فقال : " أَحْسَنْتَ ! " فلما نزل : { ولا تجهر بصلاتك } الآية ، قال لأبي بكر : " ارْفَعْ شَيئاً " وقال لعمر : " اخْفِضْ شيئاً " . وروى الزهري عن عروة عن عائشة قالت : سمع النبي صلى الله عليه وسلم صوت أبي موسى فقال : " لَقَدْ أُوتِي أَبُو مُوسَى مِنْ مَزَامِير آلِ دَاوُدَ " ؛ فهذا يدل على أن رفع الصوت لم ينكره النبي صلى الله عليه وسلم . وروى عبدالرّحمن بن عوسجة عن البراء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " زَيِّنُوا القُرْآنَ بِأَصْوَاتِكُمْ " . وروى حماد عن إبراهيم عن عمر بن الخطاب أنه كان يقول : " حَسِّنُوا أصواتكم بالقرآن " . وروى ابن جريج عن طاوس قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم : مَنْ أحسن الناس قراءة ؟ قال : " الَّذِي إِذَا سَمِعْتَ قِرَاءَتَهُ رَأَيْتَ أَنَّهُ يَخْشَى الله " .