وقوله تعالى : { وقالوا لن تمسنا النار إلا أياماً معدودة } ؛ قيل في معنى معدودة : إنها قليلة ، كقوله : { وشَرَوْهُ بثمن بخس دراهم معدودة } [ يوسف : 20 ] أي قليلة . وقال ابن عباس وقتادة في قوله { أياماً معدودة } إنها أربعون يوماً مقدار ما عَبَدُوا العِجْلَ . وقال الحسن ومجاهد : سبعة أيام . وقال تعالى : { كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون أياماً معدودات } [ البقرة : 183 و 184 ] ، فسمى أيام الصوم في هذه الآية معدودات وأيام الشهر كله .
وقد احتج شيوخنا لأقَلِّ مدة الحيض وأكثره أنها ثلاثة وعشرة بقول النبي صلى الله عليه وسلم : " المُسْتَحَاضَةُ تَدَعُ الصلاةَ أيّامَ أقْرائها " وفي بعض الألفاظ : " دَعي الصلاةَ أيامَ حَيْضِكِ " واستدلوا بذلك على أن مدة الحيض تسمى أياماً وأقلها ثلاثة وأكثرها عشرة ، لأن ما دون الثلاثة يقال يوم أو يومان وما زاد على العشرة يقال فيه أحد عشر يوماً ؛ وإنما يتناول هذا الاسم ما بين الثلاثة إلى العشرة ، فدل ذلك على مقدار أقله وأكثره ، فمن الناس من يعترض على هذا الاستدلال بقوله : { أياماً معدودات } ، وهي أيام الشهر ، وقوله { إلا أياماً معدودة } وقد قيل فيه أربعون يوماً . وهذا عندنا لا يقدح في استدلالهم ؛ لأن قوله تعالى { أياماً معدودات } [ البقرة : 184 ] جائز أن يريد به أياماً قليلة كقوله { دراهم معدودة }
[ يوسف : 42 ] يعني قليلة ، ولم يُرِدْ به تحديد العدد وتوقيت مقداره ، وإنما المراد به أنه لم يفرض عليهم من الصوم ما يشتد ويصعب . ويحتمل أن يريد به وقتاً مبهماً كقولهم : أيام بني أمية ، وأيام الحجاج ، ولا يراد به تحديد الأيام وإنما المراد به زمان ملكهم ، وقوله عليه السلام : " دعي الصلاةَ أيامَ أقرَائِكِ " قد أريد به لا مَحَالَةَ تحديد الأيام ، إذ لا بد من أن يكون للحَيْض وقت معين مخصوص لا يتجاوزه ولا يقصر عنه ، فمتى أضيف ذكر الأيام إلى عدد مخصوص يتناول ما بين الثلاثة إلى العشرة .