قوله تعالى : { تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ } . حدثنا عبدالله بن محمد بن إسحاق قال : حدثنا الحسن بن أبي الربيع قال : أخبرنا عبدالرزاق عن معمر عن منصور عن أبي رزين في قوله تعالى : { تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ } : المُرْجَاتُ ميمونة وسودة وصفية وجويرية وأم حبيبة وكانت عائشة وحفصة وأم سلمة وزينب سواء في القسم ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يساوي بينهن . وحدثنا عبدالله بن محمد بن إسحاق قال : حدثنا الحسن بن أبي الربيع قال : أخبرنا عبدالرزاق عن معمر عن الزهري في قوله تعالى : { تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ } قال : " كان ذلك حين أنزل الله أن يخيّرهن " ، قال الزهري : " وما علمنا رسول الله أرجى منهن أحداً ، ولقد آواهن كلهن حتى مات صلى الله عليه وسلم " .
قال معمر : وقال قتادة : " جعله الله في حِلّ أن يدع من شاء منهن ويُؤوي إليه من شاء ، يعني قسماً ؛ وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم " ؛ قال معمر : وأخبرنا من سمع الحسن يقول : " كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خطب امرأة فليس لأحد أن يخطبها حتى يتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم أو يدعها ، ففي ذلك نزلت : { تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنّ } " .
قال أبو بكر : وروى زكريا عن الشعبي : { تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ } قال : " نساء كنّ وهبن أنفسهن لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأرجى بعضهن ودخل ببعض منهن أم شريك لم تتزوج بعده " .
وقال مجاهد : { تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ } قال : " ترجيهن من غير طلاق ولا تأتيهن " . وروى عاصم الأحول عن معاذة العدوية عن عائشة قالت : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستأذننا في يوم إحدانا بعدما أنزل : { تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ } فقالت لها معاذة : فما كنت تقولين لرسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استأذن ؟ قالت : كنت أقول إن كان ذلك إليّ أم أوثِرْ على نفسي أحداً " .
قال أبو بكر : وقد رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقسم بين نسائه ولم يذكر فيه تخصيص واحدة منهن بإخراجها من القسم ؛ حدثنا محمد بن بكر قال : حدثنا أبو داود قال : حدثنا موسى بن إسماعيل قال : حدثنا حماد عن أيوب عن أبي قلابة عن عبدالله بن يزيد الخطمي عن عائشة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم فيعدل ويقول : " اللّهمَّ هَذَا قَسْمي فيما أَمْلِكُ فَلا تَلُمْني فيما تَمْلِكُ ولا أَمْلِكُ " ؛ قال أبو داود : يعني القلب . وحدثنا محمد بن بكر قال : حدثنا أبو داود قال : حدثنا أحمد بن يونس قال : حدثنا عبدالرّحمن يعني ابن أبي الزناد عن هشام بن عروة عن أبيه قال : قالت عائشة : يا ابن أختي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يفضل بعضنا على بعض في القسم من مكثه عندها ، وكان قَلَّ يومٌ إلا وهو يطوف علينا جميعاً فيدنو من كل امرأة من غير مسيس حتى يبلغ إلى التي هو يومها فيبيت عندها ؛ ولقد قالت سودة بنت زمعة حين أسنّت وفَرِقَتْ أن يفارقها رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله يومي لعائشة ، فقبل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم منها ، قالت : نقول في ذلك أنزل الله تعالى وفي أشباهها ، أُراه قال : { وإن امرأة خافت من بعلها نشوزاً } [ النساء : 128 ] . ورُوي عن عائشة : " أن النبي صلى الله عليه وسلم استأذن نساءه في مرضه أن يكون عند عائشة ، فأذِنَّ له " . وهذا يدل على أنه قد كان يقسم لجميعهن ، وهو أصح من حديث أبي رزين الذي ذكر فيه أنه أرْجى جماعة من نسائه ثم لم يقسم لهن . وظاهر الآية يقتضي تخيير النبي صلى الله عليه وسلم في إرجاء من شاء منهن وإيواء من شاء ، فليس يمتنع أن يختار إيواء الجميع إلا سودة فإنها رضيت بأن تجعل يومها لعائشة .
قوله تعالى : { وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فلا جُنَاحَ عَلَيْكَ } ؛ يعني والله أعلم : في إيواء من أرْجَى منهن ، أباح له بذلك أن يعتزل من شاء ويُؤْوي من شاء ، وأن يؤوي منهن من شاء بعد الاعتزال .
وقوله تعالى : { ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ } ؛ يعني والله أعلم : إذا علمن بعد الإرجاء أن لك أن تُؤْوي وتردّ إلى القسم . وهذه الآية تدل على أن القَسْمَ بينهن لم يكن واجباً على النبي صلى الله عليه وسلم وأنه كان مخيَّراً في القسم لمن شاء منهن وترك من شاء منهن " .