قوله تعالى : { وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ البَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ } . رُوي عن إبراهيم النخعي في معنى الآية قال : " كانوا يكرهون للمؤمنين أن يذلّوا أنفسهم فيجترىء عليهم الفساق " . وقال السدي : { هُمْ يَنْتَصِرُونَ } معناه : ممن بَغَى عليهم من غير أن يعتدوا عليهم .
قال أبو بكر : قد نَدَبَنا الله في مواضع من كتابه إلى العفو عن حقوقنا قبل الناس ، فمنه قوله : { وأن تعفوا أقرب للتقوى } [ البقرة : 237 ] ، وقوله تعالى في شأن القصاص : { فمن تصدق به فهو كفارة له } [ المائدة : 45 ] ، وقوله : { وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم } [ النور : 22 ] ؛ وأحكام هذه الآي ثابتة غير منسوخة .
وقوله : { وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ البَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ } يدل ظاهره على أن الانتصار في هذا الموضع أفضل ، ألا ترى أنه قَرَنَهُ إلى ذكر الاستجابة لله تعالى وإقامة الصلاة ؟ وهو محمول على ما ذكره إبراهيم النخعي أنهم كانوا يكرهون للمؤمنين أن يذلّوا أنفسهم فيجترىء الفُسَّاق عليهم ، فهذا فيمن تعدَّى وبَغَى وأصَرَّ على ذلك ، والموضع المأمور فيه بالعفو إذا كان الجاني نادماً مُقْلِعاً .
وقد قال عقيب هذه الآية : { وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ } ، ومقتضى ذلك إباحة الانتصار لا الأمر به ، وقد عقبه بقوله : { وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ } ، فهو محمول على الغفران عن غير المُصِرّ ، فأما المُصِرّ على البغي والظلم فالأفضل الانتصار منه ، بدلالة الآية التي قبلها .
وحدثنا عبدالله بن محمد قال : حدثنا الحسن قال : أخبرنا عبدالرزّاق عن معمر عن قتادة قوله تعالى : { وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ } قال : هذا فيما يكون بين الناس من القصاص ، فأما لو ظلمك رجل لم يحلّ لك أن تظلمه .