باب العمل اليسير في الصلاة
قال الله تعالى : { إنَّما وَلِيُّكُمُ الله وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ ويُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ } رُوي عن مجاهد والسدّيّ وأَبي جعفر وعتبة بن أبي حكيم : أنها نزلت في علي بن أبي طالب حين تصدَّق بخاتمه وهو راكع . ورُوي عن الحسن أنه قال : " هذه الآية صفة جميع المسلمين ، لأن قوله تعالى : { الّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ ويُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ } صفة للجماعة وليست للواحد " . وقد اختُلف في معنى قوله : { وَهُمْ رَاكِعُونَ } فقيل فيه : إنهم كانوا على هذه الصفة في وقت نزول الآية ، منهم من قد أتمّ الصلاة ومنهم من هو راكع في الصلاة . وقال آخرون : " معنى : { وَهُمْ رَاكِعُونَ } أن ذلك من شأنهم ، وأفْرَدَ الركوع بالذكر تشريفاً له " . وقال آخرون : " معناه أنهم يصلّون بالنوافل كما يقال فلان يركع أن يتنفل " . فإن كان المرادُ فِعْلَ الصدقة في حال الركوع فإنه يدلّ على إباحة العمل اليسير في الصلاة ، وقد رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم أخبارٌ في إباحة العمل اليسير فيها ، فمنها أنه خلع نعليه في الصلاة ، ومنها أنه مسَّ لحيته وأنه أشار بيده ، ومنها حديث ابن عباس أنه قام على يسار النبي صلى الله عليه وسلم ، فأخذ بذؤابته وأداره إلى يمينه ، ومنها أنه كان يصلِّي وهو حاملٌ أمامةَ بنت أبي العاص بن الربيع ، فإذا سجد وضعها وإذا رفع رأسه حملها . فدلالة الآية ظاهرة في إباحة الصدقة في الصلاة ، لأنه إن كان المرادُ الركوعَ فكان تقديره : " الذين يتصدقون في حال الركوع " فقد دلّت على إباحة الصدقة في هذه الحال ، وإن كان المرادُ وهم يصلّون ، فقد دلّت على إباحتها في سائر أحوال الصلاة ؛ فكيفما تصرّفت الحال فالآية دالّة على إباحة الصدقة في الصلاة .
فإن قال قائل : فالمراد أنهم يتصدقون ويصلّون ، ولم يُرِدْ به فعل الصدقة في الصلاة . قيل له : هذا تأويل ساقط ، مِنْ قِبَلِ أن قوله تعالى : { وَهُمْ رَاكِعُونَ } إخبارٌ عن الحال التي تقع فيها الصدقة ، كقولك : تكلم فلان وهو قائم ، وأعطى فلاناً وهو قاعد ، إنما هو إخبار عن حال الفعل . وأيضاً لو كان المراد ما ذكرتَ ، كان تكراراً لما تقدم ذكره في أول الخطاب قوله تعالى : { الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ } ويكون تقديره : " الذين يقيمون الصلاة ويصلّون " وهذا لا يجوز في كلام الله تعالى ، فثبت أن المعنى ما ذكرنا من مدح الصدقة في حال الركوع أو في حال الصلاة . وقوله تعالى : { وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ } يدلّ على أن صدقة التطوّع تسمَّى زكاةً ، لأن عليّاً تصدق بخاتمه تطوعاً ، وهو نظير قوله تعالى : { وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون } [ الروم : 39 ] قد انتظم صدقة الفرض والنفل ، فصار اسم الزكاة يتناول الفرض والنفل كاسم الصدقة وكاسم الصلاة ينتظم الأمرين .