قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ } قال الحسن وقتادة والضحاك وابن جريج : " نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه ومن قاتل معه أهل الرِّدَّة " . وقال السدي : " هي في الأنصار " . وقال مجاهد : " في أهل اليمن " . ورَوَى شعبة عن سماك بن حرب عن عياض الأشعري قال : لما نزلت : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ } أَوْمَأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء معه إلى أبي موسى ، فقال : " هُمْ قَوْمُ هذا " .
مطلب : الدليل على صحة إمامة أبي بكر وعمر وعثمان وعليّ رضي الله عنهم
وفي الآية دلالة على صحة إمامة أبي بكر وعمر وعثمان وعليّ رضي اله عنهم ، وذلك لأن الذين ارتدّوا من العرب بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم إنما قاتلهم أبو بكر وهؤلاء الصحابة ، وقد أخبر الله أنه يحبهم ويحبونه وأنهم يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لَوْمَةَ لائم ، ومعلوم أن من كانت هذه صفته فهو وليّ الله . ولم يقاتل المرتدّين بعد النبي صلى الله عليه وسلم غيرُ هؤلاء المذكورين وأتباعهم ؛ ولا يتهيأ لأحد أن يجعل الآية في غير المرتدين بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم من العرب ولا في غير هؤلاء الأئمة ؛ لأن الله تعالى لم يَأْتِ بقوم يقاتلون المرتدّين المذكورين في الآية غير هؤلاء الذين قاتلوا مع أبي بكر .
مطلب : الدليل على صحة إمامة أبي بكر رضي الله عنه
ونظير ذلك أيضاً في دلالته على صحة إمامة أبي بكر قوله تعالى : { قل للمخلّفين من الأعراب ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد تقاتلونهم أو يسلمون فإن تطيعوا يؤتكم الله أجراً حسناً } [ الفتح : 16 ] لأنه كان الداعي لهم إلى قتال أهل الردّة ، وأخبر تعالى بوجوب طاعته عليهم بقوله : { فإن تطيعوا يؤتكم الله أجراً حسناً وإن تتولّوا كما توليتم من قبل يعذبكم عذاباً أليماً } [ الفتح : 16 ] .
فإن قال قائل : يجوز أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي دعاهم . قيل له : قال الله تعالى : { فقل لن تخرجوا معي أبداً ولن تقاتلوا معي عدوّاً } [ التوبة : 83 ] فأخبر أنهم لا يخرجون معه أبداً ولا يقاتلون معه عدوّاً . فإن قال قائل : جائز أن يكون عمر هو الذي دعاهم . قيل له : إن كان كذلك فإمامة عمر ثابتة بدليل الآية ، وإذا صحّتْ إمامته صحّت إمامةُ أبي بكر لأنه هو المستخلف له . فإن قيل : جائز أن يكون علي هو الذي دعاهم إلى محاربة من حارب . قيل له : قال الله تعالى : { تقاتلونهم أو يسلمون } [ الفتح : 16 ] وعليّ رضي الله عنه إنما قاتل أهل البغي وحارب أهل الكتاب على أن يُسْلِمُوا أو يعطوا الجزية ، ولم يحارب أحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم على أن يسلموا غير أبي بكر ، فكانت الآية دالّةً على صحة إمامته .