قال الله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ } .
قال أبو بكر : يُحتجّ به في أن كل من ألزم نفسه عباده أو قربة وأوجب على نفسه عقداً لزمه الوفاء به ، إذْ تَرْكُ الوفاء به يوجب أن يكون قائلاً ما لا يفعل ، وقد ذمّ الله فاعل ذلك .
وهذا فيما لم يكن معصية ، فأما المعصية فإن إيجابها في القول لا يُلزمه الوفاء بها ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " لا نَذْرَ في مَعْصِيَةٍ وكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ " ، وإنما يلزم ذلك فيما عَقَدَهُ على نفسه مما يتقرب به إلى الله عز وجل ، مثل النذور وفي حقوق الآدميين العقود التي يتعاقدونها ، وكذلك الوعد بفعلٍ يفعله في المستقبل وهو مباح ، فإن الأوْلى الوفاء به مع الإمكان .
فأما قول القائل : " إني سأفعل كذا " فإن ذلك مباح له على شريطة استثناء مشيئة الله تعالى وأن يكون في عقد ضميره الوفاء به ، ولا جائز له أن يَعِدَ وفي ضميره أن لا يفي به ؛ لأن ذلك هو المحظور الذي نهى الله عنه ومَقَتَ فاعليه عليه ، وإن كان في عقد ضميره الوفاء به ولم يقرنه بالاستثناء فإن ذلك مكروه لأنه لا يدري هل يقع منه الوفاء به أم لا ، فغير جائز له إطلاق القول في مثله مع خوف إخلاف الوعد فيه . وهو يدل على أن من قال : " إن فعلت كذا فأنا أحجّ أو أهدي أو أصوم " فإن ذلك بمنزلة الإيجاب بالنذر ؛ لأن ترك فعله يؤديه إلى أن يكون قائلاً ما لم يفعل .
ورُوي عن ابن عباس ومجاهد : " أنها نزلت في قوم قالوا : لو علمنا أحَبَّ الأعمال إلى الله تعالى لسارعنا إليه ، فلما نزل فرض الجهاد تثاقلوا عنه " . وقال قتادة : " نزلت في قوم كانوا يقولون : جاهدنا وأبلينا ، ولم يفعلوا " . وقال الحسن : " نزلت في المنافقين وسمّاهم بالإيمان لإظهارهم له " .