قوله تعالى : { وَأَذَانٌ مِنَ اللهِ ورَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الحَجِّ الأَكْبَرِ } . يعني : إعلام من الله ورسوله ، يقال : آذنني بكذا أي أعلمني فعلمت .
واخْتُلف في يوم الحجّ الأكبر ، فرُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم في بعض الأخبار أنه يوم عرفة . وعن عليّ وعمر وابن عباس وعطاء ومجاهد نحو ذلك ، على اختلاف من الرواية فيه . ورُوي أيضاً عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه يوم النحر . وعن عليّ وابن عباس وعبدالله بن مسعود وعبدالله بن أبي أوفى وإبراهيم وسعيد بن جبير على اختلاف فيه من الرواة وعن مجاهد وسفيان الثوري : " أيام الحج كلها " ، وهذا شائع ، كما يقال : يوم صفين ، وقد كان القتال في أيام كثيرة . وروى حماد عن مجاهد أيضاً قال : " الحج الأكبر القِرَانُ والحجّ الأصغر الإفرادُ " . وقد ضعف هذا التأويل ، من قِبَلِ أنه يوجب أن يكون للإفراد يوم بعينه وللقران يوم بعينه ، وقد علم أن يوم القران هو يوم الإفراد للحج ، فتبطل فائدة تفضيل اليوم للحج الأكبر ، فكان يجب أن يكون النداء بذلك في يوم القران . وقوله تعالى : { يَوْمَ الحَجِّ الأَكْبَرِ } لما كان يوم عرفة أو يوم النحر وكان الحج الأصغر العمرة ، وجب أن يكون أيام الحج غير أيام العمر فلا تُفعل العمرة في أيام الحج . وقد رُوي عن ابن سيرين أنه قال : " إنما قال : { يَوْمَ الحَجِّ الأَكْبَرِ } لأن أعياد المِلَلِ اجتمعت فيه ، وهو العام الذي حجَّ فيه النبي صلى الله عليه وسلم " . فقيل : هذا غلط ؛ لأن الأذان بذلك كانت في السنة التي حجَّ فيها أبو بكر ، ولأنه في السنة التي حجَّ فيها النبي صلى الله عليه وسلم لم يحجَّ فيها المشركون لتقدُّم النهي عن ذلك في السنة الأولى . وقال عبدالله بن شداد : " الحج الأكبر يوم النحر والحج الأصغر العمرة " . وعن ابن عباس : " العمرة هي الحجة الصغرى " ، وعن عبدالله بن مسعود مثله .
قال أبو بكر : قوله : { الحَجِّ الأَكْبَرِ } قد اقتضى أن يكون هناك حجٌّ أصغر ، وهو العمرة ، على ما رُوي عن عبدالله بن شداد وابن عباس ؛ وقد رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " العُمْرَةُ الحَجَّةُ الصُّغْرَى " . وإذا ثبت أن اسم الحج يقع على العمرة ، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم للأقرع بن حابس حين سأله فقال : الحج في كل عام أو حجة واحدة ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " لا ، بَلْ حَجَّةٌ وَاحِدَةٌ " ، وهذا يدل على نفي وجوب العمرة لنَفْي النبي الوجوب إلا في حجة واحدة ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " الحَجُّ عَرَفَةُ " هذا يدل على أن يوم الحج الأكبر هو يوم عرفة ، ويحتمل أن يكون يوم النحر لأن فيه تمام قضاء المناسك والتفث ، ويحتمل أيام مِنى على ما رُوي عن مجاهد ، وخصه بالأكبر لأنه مخصوص بفعل الحج فيه دون العمرة . وقد قيل : إن يوم النحر أوْلى بأن يكون يوم الحج الأكبر من يوم عرفة ؛ لأنه اليوم الذي يجتمع فيه الحجّ لقضاء المناسك ، وعرفة قد يأتيها بعضهم ليلاً وبعضهم نهاراً ، وأما النداء بسورة براءة فجائز أن يكون كان يوم عرفة وجائز يوم النحر .