قوله تعالى : { وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ } ؛ فيه الدلالة على معانٍ ، أحدها : فِعْل الصلاة على موتى المسلمين وحَظْرها على موتى الكفار . ويدل أيضاً على القيام على القبر إلى أن يدفن ، وعلى أن النبي صلى الله عليه وسلم قد كان يفعله . وقد رَوَى وكيع عن قيس بن مسلم عن عمير بن سعد : " أن عليّاً قام على قبر حتى دُفِن " . وروى سفيان الثوري عن أبي قيس قال : " شهدت علقمة قام على قبر حتى دفن " . وروى جرير بن حازم عن عبدالله بن عبيد بن عمير : " أن ابن الزبير كان إذا مات له ميت لم يزل قائماً حتى ندفنه " . فهذا يدل على أن السنّة لمن حضر عند القبر أن يقوم عليه حتى يُدفن . ومن الناس من يستدل بذلك على جواز الصلاة على القبر ، وجعل قوله : { وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ } قيام الصلاة على القبر ؛ وهذا خطأ من التأويل لأنه تعالى قال : { وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ } فنهى عن القيام على القبر كَنَهْيِهِ عن الصلاة على الميت عطفاً عليه ، فغير جائز أن يكون المعطوف هو المعطوف عليه بعينه . وأيضاً فإن القيام ليس هو عبارة عن الصلاة ، وإنما يريد هذا القائل أن يجعله كناية عنها ، وغير جائز أن تذكر الصلاة بصريح اسمها ثم يعطف عليها القيام فيجعله كناية عنها ، فثبت بذلك أن القيام على القبر غير الصلاة . وأيضاً روى الزهري عن عبيدالله بن عبدالله عن ابن عباس قال : سمعت عمر بن الخطاب يقول : لما توفي عبدالله بن أبيّ جاء ابنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : هذا أبي يا رسول الله قد وضعناه على شفير قبره فقم فصلِّ عليه ! فوثب رسول الله صلى الله عليه وسلم ووثبتُ معه ، فلما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وقام الناس خلفه تحولت وقمت في صدره وقلت : يا رسول الله على عبدالله بن أبيّ عدو الله القائل يوم كذا كذا وكذا ! أعد أيامه الخبيثة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لتَدَعْني يا عُمَرُ إِنَّ الله خَيَّرَنِي فاخْتَرْتُ ، فقال : { اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ } الآية ، فوالله لو أعْلَمُ يا عُمَرُ أني لو زِدْتُ على سَبْعِينَ مَرَّةً أَنْ يَغْفِرَ لَهُ لَزِدْتُ " ، ثم مشى رسول الله صلى الله عليه وسلم معه وقام على قبره حتى دُفن ، ثم لم يلبث إلا قليلاً حتى أنزل الله : { وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ } ، فوالله ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على أحد من المنافقين ولا قام على قبره بعده . فذكر عمر في هذا الحديث الصلاة والقيام على القبر جميعاً ، فدلّ على ما وصفنا . ورُوي عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يصلي على عبدالله بن أبيّ ، فأخذ جبريل بثوبه فقال : " لا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ " .