قوله تعالى : { إنَّ الّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ البَيِّنَاتِ } [ 159 ] مع أمثاله في القرآن يدل على وجوب إظهار علوم الدين وتبيينها للناس ، وعم ذلك المنصوص عليه والمستَنبط لشمول اسم الهدى للجميع ، وفيه دليل على وجوب قبول قول الواحد ، لأنه لا يجب البيان عليه إلا وقد وجب قبول قوله . .
وقال : { إلاَّ الّذيِنَ تَابُوا وأَصْلَحُوا وَبَيّنوُا } [ 160 ] : فحكم بوجوب البيان بخبرهم ، فإن قيل : إنه يجوز أن يكون كل واحد منهم منهياً عن الكتمان ومأموراً بالبيان ليكثر المخبرون فيتواتر بهم الخبر ، قلنا : هذا غلط ، لأنهم لم ينهوا عن الكتمان إلا وهم ممن يجوز عليهم التواطؤ عليه ، ومتى جاز منهم التواطؤ على الكتمان جاز منهم التواطؤ في النقل ، فلا يكون خبرهم موجباً للعلم .
ودلت الآية أيضاً على لزوم إظهار العلم وترك كتمانه ومنع أخذ الأجرة عليه ، إذ لا تستحق الأجرة على ما عليه فعله كما لا يستحق الأجرة على الإسلام ، وقال : { إنَّ الّذيِنَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ الكِتَابِ ويَشْتَرُونَ بهِ ثَمَنَاً قَليلا{[72]} } : وذلك يمنع أخذ الأجرة على الإظهار وترك الكتمان ، لأن قوله : { وَيَشْتَرُونَ بهِ ثَمَناً قَليلاً } مانع من أخذ البدل عليه من سائر الوجوه ، إذ كان الثمن في اللغة هو البدل .
وقوله تعالى : { إلاَّ الذينَ تابُوا وأَصْلَحُوا وَبَيّنُوا } [ 160 ] : يدل على أن التوبة من الكتمان إنما تكون بإظهار البيان ، وأنه لا يكتفي في صحة التوبة بالندم على الكتمان فيما سلف دون البيان فيما يستقبل . .