قوله تعالى : { إنْ كُنْتُم في رَيْبٍ مِنَ البَعْثِ فإنّا خَلَقْنَاكُم مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلّقَةٍ } ، الآية :[ 5 ] :
قوله : { مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلّقَةٍ } : يقتضي أن لا تكون المضغة إنساناً كما اقتضى ذلك في العلقة والنطفة والتراب ، وإنما نبهنا الله تعالى على كمال قدرته ، بأن خلق الإنسان من غير إنسان ، وهي المضغة والنطفة التي لا تخطيط فيها ولا تركيب ، وإذا لم يكن إنساناً يجوز أن يقال إنه ليس يحمل مثل النطفة{[1529]} .
ويحتمل أن يقال : إنه أصل الإنسان الذي ينعقد ويشتمل عليه الرحم وصار حملاً ، وليس كالنطفة المجردة التي لا ندري ما يكون منها .
وزعم إسماعيل بن إسحاق أن قوماً ذهبوا إلى أن السقط لا تنقضي به العدة ، ولا تصير به أم ولد ، وزعم أن هذا غلط ، لأن الله تعالى أعلمنا أن المضغة التي هي غير مخلقة قد دخل فيما ذكر من خلق الناس كما ذكرت المخلقة ، ودل على أن كل ما يكون من ذلك إلى خروج الولد من بطن أم فهو حمل ، وقد قال تعالى : { وأُولاتُ الأَحْمالِ أجَلُهُن أنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ{[1530]} } .
وهذا لا حجة فيه ، فإن الله تعالى لم يذكر أنه حمل ، وإنما نبه على قدرته بأن خلقنا من المضغة والعلقة والتراب والنطفة ، وليس الولد نطفة ولا مضغة ، بل خلق منه الولد ، وما دخلت العلقة في اسم الإنسان ، ولا النطفة ولا المضغة التي ليست مخلقة .
وقوله تعالى : { وأُولاتُ الأحمالِ أجلُهُن أنْ يَضعنَ حَمْلَهُن } : فالمراد به ما يسمى ولداً . واستدل إسماعيل بن إسحاق أنه يرث بهذا وهو غلط{[1531]} ، فإنه يرث عند الولادة حياً مستنداً إلى حالة كونه نطفة ، ولا كلام فيه حتى لو طلقها من أربع سنين وأتت بولد ، يعلم أنه في تلك الحالة كان نطفة يرث أيضاً ، ولو انفصل ميتاً وقد تكامل خلقه لم يرث ، وانقضت به العدة ، فهما بابان متباينان .