قوله تعالى : { لَولاَ جاءُوا عليهِ بأرْبَعَةِ شُهَدَاءَ } ، الآية :[ 13 ] :
دليل على أن الأربع حد في هذا الباب ، لا يجوز أن ينقضي منه شيء .
ودليل على أن القاذف مكذب شرعاً ، إذا لم يأت بأربعة شهداء ، فإن كان في أمر عائشة يقطع بتكذيبهم في الغيب ، وقال علماؤنا : من صدق قذفه عائشة فهو كافر ، لأنه راد لخير الله تعالى الدال على كذبهم .
وعلى هذا قال أصحابنا فيمن وجد رجلا مع امرأة فاعترفا بالنكاح ، أنه لا يجب تكذيبهما ، بل يجب تصديقهما .
وقال مالك : إنهما يحدان ما لم يقيما بينة على النكاح ، وهذا يخالف ظاهر هذه الآية ، وعلى هذا بنى أبو حنيفة جواز بيع درهم ودينار بدرهمين ودينارين أنا تخالف بينهما تحسيناً للظن بالمؤمنين .
وقال الشافعي قريباً من هذا فيمن وصى بطبل وله طبلان : طبل لهو ، وطبل حرب ، أنه يحمل على طبل الحرب تحسيناً للظن بالمؤمنين ، وحمل أمورهم على ما يجوز .
إلا أن أبا حنيفة كدر صفو هذا المعنى بإيجاب الحد على المشهود عليه بشهادة شهود الزوايا ، بناء على بعد في إثبات الزنا ، وهذه الآيات إلى خاتمة الآيات في قوله : { إنَّ الّذِينَ يُحِبُونَ أن تَشِيعَ الفَاحِشةُ في الّذيِن آمنُوا لهُم عذاب ألِيم } : تدل على وجوب حسن الاعتقاد في المؤمنين ، ومحبة الخير والصلاح ، والزجر عن إشهار الفاحشة واستنباطها بدقائق الحيل والحكم بالظن والحسبان ، وعلى قريب منه يدل قوله عليه الصلاة والسلام : " المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده ، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه{[1566]} " ، وقال عليه الصلاة والسلام : " من سره أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو شهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله{[1567]} " ، " ويحب أن يأتي إلى الناس ما يحب أن يأتوا إليه " . . رواه ابن عمر ، وعن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا يؤمن العبد حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه من الخير{[1568]} " .