قوله تعالى : { وأَنْزَلْنَا مِنَ السّماءِ ماءً طَهُوراً } ، الآية :[ 48 ] .
قال قائلون : وصف الماء بأنه طهور ، يفيد أنه يصلح للتطهير ، وأنه يقع به هذا الحكم ، كقولهم فطور و سحور إذا صلح لذلك . وقال آخرون : إنه يفيد المبالغة في التطهير ، والمعنى بيّن .
ولا اختلاف أن للماء هذا الحكم ، إذا كان على خلقته وهو ينزل من السماء ، فما دام على نعت المنزل من السماء وفي قرار الأرض ، فهو طهور ومطلق .
وإذا خالفه غيره ، انقسم المخالط أقساماً : فمنه ما يكون نجساً ، ومنه ما يكون طاهراً . وإذا كان المخالط نجساً ، فمالك لا يحكم بنجاسة الماء ، ويبقيه على حكم وصفه الأصلي .
وأبو حنيفة يقول : ما دام يتوهم خلوص النجاسة إلى الماء الذي يغترف منه ، فلا يجوز التوضؤ به . والشافعي يقول : يعول على القلتين ، وبعد ذلك لا يؤخذ من الظاهر ، وإنما يؤخذ من المعنى . . وبعضه مأخوذ من الظاهر{[1588]} .
والماء المستعمل مختلف فيه بين العلماء ، فالظاهر يقتضي جواز التوضؤ به ، والقليل من النجاسة لا يمنع من إطلاق اسم الماء عليه لغة ، ولكن امتناع التوضؤ به لدليل آخر .
ومتى قيل : فالماء إذا جعل طهوراً ، فهو يطهر ماذا ؟ قيل : إنه يطهر على وجهين : أحدهما : طهارة الأحداث{[1589]} ، والثانية : الجنب{[1590]} .
فأما طهارة الحدث ، فصريان غسل ووضوء ، ولكل واحد منهما سبب ، فسبب الغسل الجنابة والحيض والنفاس ، ويتبع الجنابة التقاء الختانين وإن لم ينزل .
وأسباب الوضوء مستقصاه في كتب الفقه مع ما فيها من اختلاف العلماء .
واختلف الناس في الماء ، هل خص بالتطهير في الأنجاس كلها ؟ فمنهم من قال ذلك ، ومنهم من قال غير قوله . . وشرح ذلك في كتب الفقه .
والذي يجوز إزالة النجاسة بغير الماء ، ليس يجوزه بطريق القياس على الماء فقط ، فإن من الممكن أن يقال إن التعبد بإزالة النجاسة ، فإن لم تكن نجاسة زال محل التعبد ، ولأجل ذلك صار داود مع نفي القياس إلى إزالة النجاسة بغير الماء ، لا قياساً لغير الماء على الماء ، لكن لزوال محل التعبد ، فهذا تمام هذا الفن .