قوله تعالى : { إنّي أَرَى في المَنَامِ أنّي أَذْبَحُكَ } ، الآية :[ 102 ] :
ظاهره أنه كان مأموراً بذبح الولد ، ويجوز أن لا يكون في المأمور به سوى التل للجبين ، ولكن ظن إبراهيم عليه السلام أنه يتعقبه الأمر بالذبح فقال : { إني أَرَى في المَنامِ إنّي أذْبَحُكَ } : أي ما يدل على أني أذبحك .
ويحتمل أن يكون قد أمر بذبحه حقيقة{[1609]} ، ولكنه لو قدر ذلك ، فلا يصح نسخه عند من لا يجوز النسخ ، قبل إمكان الأمر ، لأن الذبح متى كان حسناً في وقت ، فلا يجوز أن يصير في ذلك الوقت قبيحاً عندهم ، فيصعب عليهم الخروج عند ذلك .
ويحتمل أن يكون قد ذبح ولكنه كان يلتئم ويبرأ ، وهذا أبعد الاحتمالات ، لأنه لو كان جرى ذلك ، لكان قد نبه الله تعالى عليه تعظيماً لرتبة إبراهيم وإسماعيل صلوات الله عليهما ، وكان أولى بالشأن من هذا ، ولو حصل الفراغ من امتثال الأمر الأول ما تحقق الفداء .
إذا ثبت ، فقد احتج قوم من أصحاب أبي حنيفة بهذه الآية في مصيرهم ، إلى من نذر ذبح ولده لزمه ذبح شاة عندهم ، وقالوا : إن الله تعالى جعل الأمر بذبح الولد ، في حالة حرم ذبح الولد سبباً لوجوب ذبح شاة ، فيجوز أن يكون إيجاب الواحد منا ذبح ولده على نفسه سبباً لذبح شاة ، ويجعل اللفظ عبارة عن ذبح شاة{[1610]} .
وهذا إغفال منهم ، فإنه إن ثبت أن إبراهيم كان مأموراً بذبح الولد ، فقد ارتفع الأمر إلى بدل جعل فداء ، فكان الأمر متقرراً في الأصل ، ثم أزيل ونسخ إلى بدل ، وفيما نحن فيه لا أمر بذبح الولد ، بل هو معصية قطعاً ، فلم يكن للأمر تعلق بذبح الولد بحال ، فإذا لم يتعلق به بحال ، فلا يجوز أن يجعل له فداء وخلفاً ، وقد استقصينا هذا في كتب الفقه وهو مقطوع به .