قوله تعالى : { فَإذَا لَقِيتُمُ الّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ - إلى قوله - فَإِمّا مَناً بَعْدُ وإمّا فِدَاءً حَتّى تَضَعَ الحرْبُ أوْزَارَها } الآية :[ 4 ] :
فيه بيان كيفية الجهاد ، وما يجب التمسك به في محاربتهم ، فبين أولاً ما يجب عند لقاء الكفار ، والمنعَة قائمة ، وهو ضرب الرقاب ، لأن عند ذلك تجب هذه الطريقة ، ثم بين الحكم إذا نحن أثخناهم وبنّنّا امتناعهم{[1620]} ، فأمر أن نشدهم في الوثاق فإما أن نمن أو نفادى ، وهذا لأنه تعالى كان قد حرم الأسر بقوله : { مَا كَانَ لِنَبِي أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتّى يُثْخِنَ في الأَرْضِ{[1621]} } :
فأباح بهذه الآية أسرهم إذا أثخناهم بالجراح وغيره ، وبين أن أمرهم إلى الإمام ، فإن شاء منَّ عليهم بإطلاق من غير فداء ، وإن شاء فادى ، وإن شاء قتل ، على ما يراه الأصلح للإسلام والمسلمين .
ودل بقوله : { حَتّى تَضَعَ الحرْبُ أَوْزَارَهَا } : أن ذلك غاية فيما تقدم ذكره ، ولا يجوز أن يكون غاية في حكم الأسرى ، فإذاً يجب أن يكون غاية في حكم ، ما كان يجب أن يكون غاية في المقاتلة ، فكأنه بين أن أثقال الحرب من قبلهم إذا زالت ، فللمؤمنين مفارقة السلاح ، ويدعوا الحرب إلى حال أخرى .
قال الحسن : في الآية تقديم وتأخير ، فكأنه قال : فضرب الرقاب حتى تضع الحرب أوزارها ، ثم قال : حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق .
وزعموا أنه ليس للإمام إذا حصل الأسير في يده أن يقتله بل هو بالخيار في ثلاثة مراتب : إما أن يمن أو يفادى أو يسترق .
وقال السدي فيما رواه إسماعيل بن إسحاق : إن ذلك منسوخ بقوله تعالى : { اقتُلُوا المُشْرِكِينَ حيثُ وَجَدْتمُوهُم{[1622]} } .
وقال قتاده مثله ، وجعل ناسخه قول تعالى : { فإمّا تَثْقَفَنّهُم في الحَرْبِ فشَرِّدْ بِهِم مَنْ خَلْفَهُمْ{[1623]} } .
وقال إسماعيل بن إسحاق : المن والفداء حقه في الأسير إذا تمكن منه{[1624]} ، ولا يمنع ذلك من القتل الذي سنه الله تعالى في الكفار ، فكأن الله تعالى حرم المن والفداء قبل التمكن ، وأذن فيهما بعد التمكن ، والقتل في الحالتين من حيث الكفر سائغ .
وروى في قوله تعالى : { حتّى تَضَعَ الحرْبُ أوْزَارَهَا } أقوال :
روي عن الحسن : حتى يعبد الله ولا يشرك به ، وعن مجاهد : حتى لا يكون دين إلا الإسلام .
وعن سعيد بن جبير ومجاهد في رواية أخرى : حتى يخرج عيسى بن مريم فيسلم كل يهودي ونصراني وصاحب ملة ، وتأمن الشاة من الذئب .