قوله تعالى : { مَا كَانَ لِنَبيٍ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسرَى حَتّى يُثخِنَ في الأَرْضِ } ، الآية :[ 67 ] :
وذلك يدل على أن العدول عن القتل إلى الأسر حرام على كل نبي ، حتى يكثر القتل منه ، فتحصل هيبته في القلوب ، وتمتلىء النفوس منه رعباً ، فإذا أثخن في الأرض بالإكثار من القتل ، يجوز أن يكون له أسرى ، فدل من هذا الوجه ، أن الجهاد من تكليف سائر الأنبياء ، فلذلك عمهم تعالى به .
وقال قائلون : كأن الله تعالى أمرهم بإكثار القتل بقوله : { فَاضرِبُوا فَوْقَ الأَعنَاقِ واضرِبُوا مِنهُم كُلَّ بَنَان{[1362]} } ، لكي يعظم الرعب في قلوبهم ، فيكفهم ذلك عن المحاربة ، ويميل بهم إلى الإسلام والمسالمة . . . فأبى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر ، إلا أسر بعضهم رغبة في الفداء ، فصار ذلك معصية منهم ومخالفة .
فإن قيل : أفكان النبي عليه الصلاة والسلام موافقاً لهم ؟ قيل : بل كان صلى الله عليه وسلم أمرهم بالإثخان ، وبلغهم ذلك من الله تعالى ، ولذلك كانوا عصاة بترك الأمر .
فإن قيل : فلم أضاف الأمر إلى النبي عليه الصلاة والسلام ؟ فقال : ما كان لنبي أن يكون له أسرى ؟ قيل : من الممكن أنهم أسروا الكفار ليسلموهم إلى النبي عليه الصلاة والسلام .
فإن قيل : لم توقف بعد الأسر في قتلهم ، واستشار أصحابه ، فأشار عمر بقتلهم ، وأشار أبو بكر باستبقائهم ؟ فالجواب : أن ذلك لتجويز تغيير التعبد بعد الأسر ، وإن كان الواجب من قبل القتل .