الْآيَةُ الثَّانِيَةُ : قَوْله تَعَالَى { وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ } .
فِيهَا ثَلَاثُ مَسَائِلَ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : قَوْلُهُ : { وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ } :
قَالَ مَالِكٌ : لَا بَأْسَ أَنْ يُحِبَّ الرَّجُلُ أَنْ يُثْنَى عَلَيْهِ صَالِحًا ؛ وَيُرَى فِي عَمَلِ الصَّالِحِينَ ، إذَا قَصَدَ بِهِ وَجْهَ اللَّهِ وَهُوَ الثَّنَاءُ الصَّالِحُ ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ : { وَأَلْقَيْت عَلَيْك مَحَبَّةً مِنِّي } .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : قَوْلُهُ : { وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ }
يَعْنِي أَنْ يَجْعَلَ من وَلَدِهِ مَنْ يَقُومُ بِالْحَقِّ من بَعْدِهِ إلَى يَوْمِ الدِّينِ ؛ فَقُبِلَتْ الدَّعْوَةُ وَلَمْ تَزَلْ النُّبُوَّةُ فِيهِمْ إلَى مُحَمَّدٍ ، ثُمَّ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ .
وَقِيلَ : إنَّ الْمَطْلُوبَ اتِّفَاقُ الْمِلَلِ كُلِّهَا عَلَيْهِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، فَلَا أُمَّةٌ إلَّا تَقُولُ بِهِ وَتُعَظِّمُهُ ، وَتَدَّعِيهِ ، إلَّا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ قَطَعَ وِلَايَةَ الْأُمَمِ كُلِّهَا إلَّا وِلَايَتَنَا ، فَقَالَ سُبْحَانَهُ : { إنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَاَلَّذِينَ آمَنُوا وَاَللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ } .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : قَالَ الْمُحَقِّقُونَ من شُيُوخِ الزُّهْدِ : فِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى التَّرْغِيبِ فِي الْعَمَلِ الصَّالِحِ الَّذِي يُكْسِبُ الثَّنَاءَ الْحَسَنَ . وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إذَا مَاتَ الْمَرْءُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلَّا من ثَلَاثٍ : صَدَقَةٌ جَارِيَةٌ ، أَوْ عِلْمٌ عَلَّمَهُ ، أَوْ وَلَدٌ صَالِحٌ يَدْعُو لَهُ ) .
وَفِي رِوَايَةٍ : إنَّهُ كَذَلِكَ فِي الْغَرْسِ وَالزَّرْعِ ، وَكَذَلِكَ فِيمَنْ مَاتَ مُرَابِطًا يُكْتَبُ لَهُ عَمَلُهُ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَالْخَمْسَةُ صَحِيحٌ أَثَرُهَا ؛ وَمَسْأَلَةُ الرِّبَاطِ حَسَنٌ سَنَدُهَا .