الْآيَة الرَّابِعَة : قَوْله تَعَالَى : { وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَك وَلِقَوْمِك وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ } .
فِيهَا مَسْأَلَتَانِ :
المسألة الْأُولَى : فِي الذِّكْرِ ؛ وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ :
أَحَدُهُمَا : الشَّرَفُ .
الثَّانِي : الذِّكْرَى بِالْعَهْدِ الْمَأْخُوذِ فِي الدِّينِ .
الثَّالِثُ : قَالَ مَالِكٌ : هُوَ قَوْلُ الرَّجُلِ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِيهِ .
وَإِذَا قُلْنَا : إنَّهُ الشَّرَفُ وَالْفَضْلُ فَإِنَّ ذَلِكَ حَقِيقَةً إنَّمَا هُوَ بِالدِّينِ ، فَإِنَّ الدُّنْيَا لَا شَرَفَ فِيهَا . قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : «إنَّ اللَّهَ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ وَتَفَاخُرَهَا بِالْأَحْسَابِ ، وَالنَّاسُ مُؤْمِنٌ تَقِيٌّ أَوْ كَافِرٌ شَقِيٌّ ، كُلُّكُمْ لِآدَمَ وَآدَمُ من تُرَابٍ ، وَإِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ » .
وَقِيلَ : وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَك وَلِقَوْمِك يَعْنِي الْخِلَافَةَ فَإِنَّهَا فِي قُرَيْشٍ لَا تَكُونُ فِي غَيْرِهِمْ .
قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : «النَّاسُ تَبَعٌ لِقُرَيْشٍ فِي هَذَا الشَّأْنِ ، مُسْلِمُهُمْ تَبَعٌ لِمُسْلِمِهِمْ ، وَكَافِرُهُمْ تَبَعٌ لِكَافِرِهِمْ » .
وَقَالَ مَالِكٌ : هُوَ قَوْلُ الرَّجُلِ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِيهِ ، وَلَمْ أَجِدْ فِي الْإِسْلَامِ هَذِهِ الْمَرْتَبَةَ إلَّا بِبَغْدَادَ ، فَإِنَّ بَنِي التَّمِيمِيِّ بِهَا يَقُولُونَ : حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبِذَلِكَ شَرُفَتْ أَقْدَارُهُمْ ، وَعَظَّمَ النَّاسُ شَأْنَهُمْ وَتَهَمَّمَتْ الْخِلَافَةُ بِهِمْ .
وَرَأَيْت بِمَدِينَةِ السَّلَامِ ابْنَيْ أَبِي مُحَمَّدٍ رِزْقَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنَ أَبِي الْفَرَحِ بْنَ عَبْدَ الْعَزِيزِ بْنَ الْجَرْدِ بْنِ أَسَدِ بْنِ اللَّيْثِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ أَسَدِ بْنِ سُفْيَانَ بْنِ يَزِيدَ بْنِ أَكَيْنَة بْنِ عَبْدِ اللَّهِ التَّمِيمِيَّ وَكَانَا يَقُولَانِ : سَمِعْنَا أَبَانَا رِزْقَ اللَّهِ يَقُولُ : سَمِعْت أَبِي يَقُولُ : سَمِعْت أَبِي يَقُولُ : سَمِعْت عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ يَقُولُ ، وَقَدْ سُئِلَ عَنْ الْحَنَّانِ الْمَنَّانِ ، الْحَنَّانُ الَّذِي يُقْبِلُ عَلَى مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ . وَالْمَنَّانُ الَّذِي يَبْدَأُ بِالنَّوَالِ قَبْلَ السُّؤَالِ ، وَالْقَائِلُ سَمِعْت عَلِيًّا أَكْيَنَةَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ جَدُّهُمْ الْأَعْلَى .
وَالْأَقْوَى أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ : { وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِك } يَعْنِي الْقُرْآنَ ، فَعَلَيْهِ يَنْبَنِي الْكَلَامُ ، وَإِلَيْهِ يَرْجِعُ الضَّمِيرُ ، وَهِيَ :
المسألة الثَّانِيَةُ : فِي تَنْقِيحِ هَذِهِ الْأَقْوَالِ .