الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ : قَوْلُهُ : { التَّائِبُونَ } :
الرَّاجِعُونَ عَنْ الْحَالَةِ الْمَذْمُومَةِ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ إلَى [ الْحَالَةِ ] الْمَحْمُودَةِ فِي طَاعَةِ اللَّهِ .
وَالْعَابِدُونَ : هُمْ الَّذِينَ قَصَدُوا بِطَاعَتِهِمْ وَجْهَهُ .
وَالْحَامِدُونَ : هُمْ الرَّاضُونَ بِقَضَائِهِ ، وَالْمُصَرِّفُونَ نِعْمَتَهُ فِي طَاعَتِهِ . وَالسَّائِحُونَ : هُمْ الصَّائِمُونَ فِي هَذِهِ الْمِلَّةِ ، حَتَّى فَسَدَ الزَّمَانُ فَصَارَتْ السِّيَاحَةُ الْخُرُوجَ مِنَ الْأَرْضِ عَنْ الْخَلْقِ ، لِعُمُومِ الْفَسَادِ وَغَلَبَةِ الْحَرَامِ ، وَظُهُورِ الْمُنْكَرِ ، وَلَوْ وَسِعَتْنِي الْأَرْضُ لَخَرَجْت فِيهَا ، لَكِنَّ الْفَسَادَ قَدْ غَلَبَ عَلَيْهَا ، فَفِي كُلِّ وَادٍ بَنُو نَحْسٍ ، فَعَلَيْك بِخُوَيْصَةِ نَفْسِك وَدَعْ أَمْرَ الْعَامَّةِ .
الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ هُمْ الْقَائِمُونَ بِالْفَرْضِ مِنَ الصَّلَاةِ ، الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ ، وَالنَّاهُونَ عَنْ الْمُنْكَرِ ، الْمُغَيِّرُونَ لِلشِّرْكِ فَمَا دُونَهُ مِنَ الْمَعَاصِي ، وَالْآمِرُونَ بِالْإِيمَانِ فَمَا دُونَهُ مِنَ الطَّاعَاتِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ من شُرُوطِهِ .
الْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ : خَاتِمَةُ الْبَيَانِ وَعُمُومُ الِاشْتِمَالِ لِكُلِّ أَمْرٍ وَنَهْيٍ .
وَقَوْلُهُ : { وَبَشِّرْ الْمُؤْمِنِينَ } بِثَوَابِي إذَا كَانُوا عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ ، ثُمَّ بَذَلُوا أَنْفُسَهُمْ فِي طَاعَتِي لِلْقَتْلِ ؛ فَحِينَئِذٍ تَكُونُ سِلْعَةً مَرْغُوبًا فِيهَا تَمْتَدُّ إلَيْهَا الْأَطْمَاعُ ، وَتَدْخُلُ فِي جُمْلَةِ التِّجَارَاتِ وَالْمَتَاعِ ، فَأَمَّا نَفْسٌ لَا تَكُونُ هَكَذَا ، وَلَا تَتَحَلَّى بِهَذِهِ الْحِلَى فَلَا يُبْذَلُ فِيهَا فَلْسٌ ، فَكَيْفَ الْجَنَّةُ ؟ لَكِنَّ مَنْ مَعَهُ أَصْلُ الْإِيمَانِ فَهُوَ مُبَشَّرٌ عَلَى قَدْرِهِ بِعَدَمِ الْخُلُودِ فِي النَّارِ ، وَمَنْ اسْتَوْفَى هَذِهِ الصِّفَاتِ فَلَهُ الْفَوْزُ قَطْعًا ، وَمَنْ خَلَطَ فَلَا يَقْنَطْ وَلَا يَأْمَنْ ، وَلْيُمْسِ تَائِبًا ، وَيُصْبِحْ تَائِبًا ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ فَسَائِلًا لِلتَّوْبَةِ ، فَإِنَّ سُؤَالَهَا دَرَجَةٌ عَظِيمَةٌ ، حَتَّى يَمُنَّ اللَّهُ بِحُصُولِهَا . فَهَذِهِ سَبْعُ مَسَائِلَ تَمَامُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ فِي الْآيَةِ . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .