الْآيَةُ السَّابِعَةُ : قَوْله تَعَالَى : { وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ من بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ ، إنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ } .
فِيهَا مَسْأَلَتَانِ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : قَوْله تَعَالَى { وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ } : دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الطَّاعِنَ فِي الدِّينِ كَافِرٌ ، وَهُوَ الَّذِي يَنْسِبُ إلَيْهِ مَا لَا يَلِيقُ بِهِ ، أَوْ يَعْتَرِضُ بِالِاسْتِخْفَافِ عَلَى مَا هُوَ من الدِّينِ ؛ لِمَا ثَبَتَ من الدَّلِيلِ الْقَطْعِيِّ عَلَى صِحَّةِ أُصُولِهِ وَاسْتِقَامَةِ فُرُوعِهِ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : إذَا طَعَنَ الذِّمِّيُّ فِي الدِّينِ انْتَقَضَ عَهْدُهُ لِقَوْلِهِ : { وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ . . . } إلَى : { فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ } ؛ فَأَمَرَ اللَّهُ بِقَتْلِهِمْ وَقِتَالِهِمْ إذَا طَعَنُوا فِي دِينِكُمْ .
فَإِنْ قِيلَ : إنَّمَا أُمِرْنَا بِقِتَالِهِمْ بِشَرْطَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : نَكْثُهُمْ لِلْعَهْدِ .
وَالثَّانِي : طَعْنُهُمْ فِي الدِّينِ .
قُلْنَا : الطَّعْنُ فِي الدِّينِ نَكْثٌ لِلْعَهْدِ ، بَلْ قَالَ عُلَمَاؤُنَا رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ : إنْ عَمِلُوا مَا يُخَالِفُ الْعَهْدَ انْتَقَضَ عَهْدُهُمْ . فَقَدْ رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ رُفِعَ إلَيْهِ أَنَّ ذِمِّيًّا نَخَسَ دَابَّةً عَلَيْهَا امْرَأَةٌ مُسْلِمَةٌ ، فَرَمَحَتْ ، فَأَسْقَطَتْهَا ، فَانْكَشَفَ بَعْضُ عَوْرَتِهَا ، فَأَمَرَ بِصَلْبِهِ فِي الْمَوْضِعِ .
وَقَدْ قَالَ عُلَمَاؤُنَا : إذَا حَارَبَ الذِّمِّيُّ نُقِضَ عَهْدُهُ ، وَكَانَ [ مَالُهُ وَوَلَدُهُ ] فَيْئًا قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ : وَلَا يُؤْخَذُ وَلَدُهُ ؛ لِأَنَّهُ نَقَضَ وَحْدَهُ . وَقَالَ : أَمَّا مَالُهُ فَيُؤْخَذُ . وَهَذَا تَعَارُضٌ لَا يُشْبِهُ مَنْصِبَ مُحَمَّدٍ ؛ لِأَنَّ عَهْدَهُ هُوَ الَّذِي حَمَى وَلَده وَمَالَهُ ، فَإِذَا ذَهَبَ عَنْهُ ذَهَبَ عَنْ وَلَدِهِ وَمَالِهِ .
وَقَالَ أَشْهَبُ : إذَا نَقَضَ الذِّمِّيُّ الْعَهْدَ فَهُوَ عَلَى عَهْدِهِ ، وَلَا يَعُودُ الْحُرُّ فِي الرِّقِّ أَبَدًا .
وَهَذَا من الْعَجَبِ ، وَكَأَنَّهُ رَأَى الْعَهْدَ مَعْنًى مَحْسُوسًا ، وَإِنَّمَا الْعَهْدُ حُكْمٌ اقْتَضَاهُ النَّظَرُ ، وَالْتَزَمَهُ الْمُسْلِمُونَ ، فَإِذَا نَقَضَهُ انْتَقَضَ كَسَائِرِ الْعُقُودِ من الْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ ، فَإِنَّهَا تُعْقَدُ ؛ فَتُرَتَّبُ عَلَيْهَا الْأَحْكَامُ ؛ فَإِذَا نُقِضَتْ وَنُسِخَتْ ذَهَبَتْ تِلْكَ الْأَحْكَامُ .