الْآيَةُ التَّاسِعَةُ : قَوْله تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إنْ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ } فِيهَا ثَلَاثُ مَسَائِلَ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : نَفَى اللَّهُ الْمُوَالَاةَ بِالْكُفْرِ بَيْنَ الْآبَاءِ وَالْأَبْنَاءِ خَاصَّةً ، وَلَا قُرْبَى أَقْرَبُ مِنْهَا ، كَمَا نَفَاهَا بَيْنَ النَّاسِ بَعْضِهِمْ من بَعْضٍ ، بِقَوْلِهِ : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ } ؛ لَيُبَيِّنَ أَنَّ الْقُرْبَ قُرْبُ الْأَدْيَانِ لَا قُرْبُ الدِّيَارِ وَالْأَبَدَانِ ، وَمِثْلُهُ تُنْشِدُ الصُّوفِيَّةُ :
يَقُولُونَ لِي دَارُ الْأَحِبَّةِ قَدْ دَنَتْ *** وَأَنْتَ كَئِيبٌ إنَّ ذَا لَعَجِيبُ
فَقُلْت وَمَا تُغْنِي دِيَارٌ قَرِيبَةٌ *** إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ الْقُلُوبِ قَرِيبُ
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : الْإِحْسَانُ بِالْهِبَةِ وَالصِّلَةِ مُسْتَثْنَى من الْوِلَايَةِ : لِحَدِيثِ أَسْمَاءَ ؛ قَالَتْ : ( يَا رَسُولَ اللَّهِ ؛ إنَّ أُمِّي قَدِمَتْ عَلَيَّ رَاغِبَةً ، وَهِيَ مُشْرِكَةٌ أَفَأَصِلُهَا ؟ قَالَ : صِلِي أُمَّكِ ) . وَتَمَامُهُ يَأْتِي فِي قَوْلِهِ : { لَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ . . . } الْآيَةَ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : قَوْله تَعَالَى { وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ } تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ : { وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ } إمَّا بِالْمَآلِ وَسُوءِ الْعَاقِبَةِ ، وَإِمَّا بِالْأَحْكَامِ فِي الْعَاجِلَةِ ، وَذَلِكَ ظُلْمٌ أَيْ وَضْعُ الشَّيْءِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ ، وَيَخْتَلِفُ الْحُكْمُ فِيهِ بِاخْتِلَافِ الْمَوْضِعِ الْمَوْضُوعِ فِيهِ كُفْرًا وَإِيمَانًا .