الْآيَةُ الْحَادِيَةُ وَالثَّلَاثُونَ : { وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إنَّهُمْ كَفَرُوا بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ } .
فِيهَا خَمْسُ مَسَائِلَ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : في سَبَبُ نُزُولِهَا :
ثَبَتَ فِي الصِّحَاحِ وَالْمُصَنَّفَاتِ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ قَالَ : ( سَمِعْت عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ : لَمَّا تُوُفِّيَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ دُعِيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلصَّلَاةِ عَلَيْهِ ، فَلَمَّا وَقَفَ عَلَيْهِ يُرِيدُ الصَّلَاةَ تَحَوَّلْتُ حَتَّى قُمْتُ فِي صَدْرِهِ ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ : أَعَلَى عَدُوِّ اللَّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ الْقَائِلِ كَذَا يَوْمَ كَذَا وَكَذَا يُعَدِّدُ عَلَيْهِ آثَامَهُ قَالَ : وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَبَسَّمُ ، حَتَّى إذَا أَكْثَرْت عَلَيْهِ قَالَ : أَخِّرْ عَنِّي يَا عُمَرُ ، إنِّي خُيِّرْت فَاخْتَرْت ، قَدْ قِيلَ لِي : { اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ . . . } الآية . لَوْ أَعْلَمُ أَنِّي لَوْ زِدْت عَلَى السَّبْعِينَ غُفِرَ لَهُ لَزِدْت .
قَالَ : ثُمَّ صَلَّى عَلَيْهِ ، وَمَشَى مَعَهُ ، فَقَامَ عَلَى قَبْرِهِ حَتَّى فَرَغَ مِنْهُ قَالَ : فَعَجِبْت لِي وَلِجَرَاءَتِي عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاَللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ .
قَالَ : فَوَاَللَّهِ مَا كَانَ إلَّا يَسِيرًا حَتَّى نَزَلَتْ هَاتَانِ الْآيَتَانِ : { وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ } إلَى آخَرِ الْآيَتَيْنِ .
قَالَ : فَمَا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدُ عَلَى مُنَافِقٍ ، وَلَا قَامَ عَلَى قَبْرِهِ ، حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ ) .
وَفِي الصَّحِيحِ أَيْضًا عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : ( جَاءَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ مَاتَ أَبُوهُ ، فَقَالَ : أَعْطِنِي قَمِيصَك أُكَفِّنْهُ فِيهِ ، وَصَلِّ عَلَيْهِ ، وَاسْتَغْفِرْ لَهُ . فَأَعْطَاهُ قَمِيصَهُ ، وَقَالَ : إذَا فَرَغْتُمْ فَآذِنُونِي فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ [ عَلَيْهِ ] جَذَبَهُ عُمَرُ ، وَقَالَ : أَلَيْسَ قَدْ نَهَى اللَّهُ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَى الْمُنَافِقِينَ ؟ فَقَالَ : أَنَا بَيْنَ خِيَرَتَيْنِ : اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ . فَصَلَّى عَلَيْهِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ : { وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ } فَتَرَكَ الصَّلَاةَ عَلَيْهِمْ ) .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي قَوْلِهِ : { اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ } هَلْ هُوَ إيَاسٌ أَوْ تَخْيِيرٌ ؟ فَقَالَ قَوْمٌ : هُوَ إيَاسٌ بِدَلِيلِ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ :
أَحَدُهَا : أَنَّهُ قَالَ : { فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ } .
الثَّانِي : أَنَّهُ قَالَ : إنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ مُبَالَغَةً ، كَقَوْلِ الْقَائِلِ : لَوْ سَأَلْتنِي مِائَةَ مَرَّةٍ مَا أَجَبْتُك .
الثَّالِثُ : أَنَّهُ عَلَّلَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ : { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ } وَهَذِهِ الْعِلَّةُ مَوْجُودَةٌ بَعْدَ الزِّيَادَةِ عَلَى السَّبْعِينَ ، وَحَيْثُ تُوجَدُ الْعِلَّةُ يُوجَدُ الْحُكْمُ .
وَقَالَ قَوْمٌ : هُوَ تَخْيِيرٌ مِنَ اللَّهِ لِنَبِيِّهِ ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعُمَر : ( إنِّي خُيِّرْت فَاخْتَرْت ؛ قَدْ قِيلَ لِي : اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إنَّ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ، لَوْ أَعْلَمُ أَنِّي لَوْ زِدْت عَلَى السَّبْعِينَ غُفِرَ لَهُ لَزِدْت ) . وَهَذَا أَقْوَى ؛ لِأَنَّ هَذَا نَصٌّ صَرِيحٌ صَحِيحٌ مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي التَّخْيِيرِ ، وَتِلْكَ اسْتِنْبَاطَاتٌ ، وَالنَّصُّ الصَّرِيحُ أَقْوَى من الِاسْتِنْبَاطِ .
فَأَمَّا قَوْلُهُمْ : إنَّهُ قَالَ : { فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ } فَهَذَا فِي السَّبْعِينَ ، وَلَيْسَ مَا وَرَاءَ السَّبْعِينَ كَالسَّبْعِينَ ، لَا من دَلِيلِ الْخِطَابِ وَلَا من غَيْرِهِ ؛ أَمَّا من دَلِيلِ الْخِطَابِ فَإِنَّ دَلِيلَ الْخِطَابِ لَا يَكُونُ فِي الْأَسْمَاءِ ؛ وَإِنَّمَا يَكُونُ فِي الصِّفَاتِ ، حَسْبَمَا بَيَّنَّاهُ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ ، وَرَدَدْنَاهُ عَلَى الدَّقَّاقِ من أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ الَّذِي يَجْعَلُهُ فِي الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ ، وَهُوَ خَطَأٌ صِرَاحٌ وَأَمَّا من غَيْرِ دَلِيلِ الْخِطَابِ فَظَاهِرٌ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ إذَا عُلِّقَ عَلَى اسْمٍ عَلَمٍ بَقِيَ غَيْرُهُ خَالِيًا عَنْ ذَلِكَ الْحُكْمِ ، فَيُطْلَبُ الْحُكْمُ فِيهِ من دَلِيلٍ آخَرَ .
وَأَمَّا قَوْلُهُمْ : إنَّهَا مُبَالَغَةٌ فَدَعْوَى . وَلَعَلَّهُ تَقْدِيرٌ لِمَعْنَى ، حَتَّى لَقَدْ قَالَ [ فِي ] ذَلِكَ الْأُسْتَاذُ أَبُو بَكْرِ بْنُ فُورَكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ : إنَّ التَّعْدِيلَ فِي الْخَمْسَةِ ؛ لِأَنَّهَا نِصْفُ الْعَقْدِ ، وَزِيَادَةُ الْوَاحِدَةِ أَدْنَى الْمُبَالَغَةِ ، وَزِيَادَةُ الِاثْنَيْنِ لِأَقْصَى الْمُبَالَغَةِ ، وَمِنْهُ سُمِّيَ الْأَسَدُ سَبْعًا ، عِبَارَةٌ عَنْ غَايَةِ الْقُوَّةِ ، وَفِي الْأَمْثَالِ : أَخَذَهُ أَخْذَةَ سَبْعَةٍ أَيْ : غَايَةَ الْأَخْذِ ، عَلَى أَحَدِ التَّأْوِيلَاتِ ، وَهَذَا تَحَكُّمٌ ؛ إذْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَقُولَ : إنَّ الِاثْنَيْنِ أَوْسَطُ الْمُبَالَغَةِ ، وَالثَّلَاثَةُ نِهَايَتُهَا ، وَذَلِكَ فِي الثَّمَانِيَةِ ، وَمِنْهُ يُقَالُ فِي الْمَثَلِ لِمَنْ بَالَغَ فِي عِوَضِ السِّلْعَةِ : أَثَمَنْتَ . أَيْ : بَلَغْتَ الْغَايَةَ فِي الثَّمَنِ ، وَهَذِهِ التَّحَكُّمَاتُ لَا قُوَّةَ فِيهَا ، وَالِاشْتِقَاقَاتُ لَا دَلِيلَ عَلَيْهَا ؛ وَإِنَّمَا هِيَ مُلِحَّةٌ ، فَإِذَا عَضَّدَهَا الدَّلِيلُ كَانَتْ صَحِيحَةً .
وَأَمَّا قَوْلُهُمْ : إنَّهُ عَلَّلَهُ بِالْكُفْرِ ، وَذَلِكَ مَوْجُودٌ بَعْدَ السَّبْعِينَ ، وَالْكَافِرُ لَا يُغْفَرُ لَهُ . قُلْنَا : أَمَّا قَوْلُهُمْ : إنَّ ذَلِكَ مَوْجُودٌ بَعْدَ السَّبْعِينَ ، فَيُقَالُ لَهُ : هَذَا الْحُكْمُ من عَدَمِ الْمَغْفِرَةِ إنَّمَا كَانَ مُعَلَّقًا بِالسَّبْعِينَ ، وَالزِّيَادَةُ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ بِهِ ، كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ ، وَإِنَّمَا عُلِمَ عَدَمُ الْمَغْفِرَةِ فِي الْكَافِرِ بِدَلِيلٍ آخَرَ ، وَرَدَ من طُرُقٍ ، مِنْهَا قَوْلُهُ : { سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْت لَهُمْ . . . } الْآيَةَ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : فِي إعْطَاءِ الْقَمِيصِ :
قَالَ عُلَمَاؤُنَا رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ : رُوِيَ ( أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ إذْ طَلَبَ الْقَمِيصَ كَانَ عَلَى النَّبِيِّ قَمِيصَانِ قَالَ : أَعْطِهِ الَّذِي يَلِي جِلْدَك ) . وَقَالُوا : ( إنَّهُ إنَّمَا أَعْطَاهُ قَمِيصَهُ مُكَافَأَةً عَلَى إعْطَائِهِ قَمِيصَهُ يَوْمَ بَدْرٍ لِلْعَبَّاسِ ، فَإِنَّهُ لَمَا أُسِرَ وَاسْتُلِبَ ثَوْبُهُ رَآهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَذَلِكَ ، فَأَشْفَقَ ، وَطَلَبَ لَهُ قَمِيصًا ، فَمَا وَجَدَ لَهُ فِي الْجُمْلَةِ قَمِيصًا يُقَادِرُهُ إلَّا قَمِيصَ عَبْدِ اللَّهِ ، لِتَقَارُبِهِمَا فِي طُولِ الْقَامَةِ ، فَأَرَادَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِإِعْطَائِهِ الْقَمِيصَ أَنْ تَرْتَفِعَ الْيَدُ عَنْهُ فِي الدُّنْيَا ، حَتَّى لَا يَلْقَاهُ فِي الْآخِرَةِ ، وَلَهُ عِنْدَهُ يَدٌ يُكَافِئُهُ بِهَا ) .
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ : قَوْله تَعَالَى { وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ . . . } الْآيَةَ : نَصٌّ فِي الِامْتِنَاعِ مِنَ الصَّلَاةِ عَلَى الْكُفَّارِ ، وَلَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى الصَّلَاةِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ . وَقَدْ وَهَمَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا فَقَالَ : إنَّ الصَّلَاةَ عَلَى الْجِنَازَةِ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ : { وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا } فَنَهَى اللَّهُ عَنْ الصَّلَاةِ عَلَى الْكُفَّارِ ، فَدَلَّ عَلَى وُجُوبِهَا عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ، وَهَذِهِ غَفْلَةٌ عَظِيمَةٌ ؛ فَإِنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ أَضْدَادِهِ كُلِّهَا عِنْدَ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ لَفْظًا ، وَبِاتِّفَاقِهِمْ مَعْنًى .
فَأَمَّا النَّهْيُ عَنْ الشَّيْءِ فَقَدْ اتَّفَقُوا فِي الْوَجْهَيْنِ عَلَى أَنَّهُ أَمْرٌ بِأَحَدِ أَضْدَادِهِ لَفْظًا أَوْ مَعْنًى ، وَلَيْسَتْ الصَّلَاةُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ضِدًّا مَخْصُوصًا لِلصَّلَاةِ عَلَى الْكَافِرِينَ ؛ بَلْ كُلُّ طَاعَةٍ ضِدٌّ لَهَا ، فَلَا يَلْزَمُ من ذَلِكَ تَخْصِيصُ الصَّلَاةِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ دُونَ سَائِرِ الْأَضْدَادِ .
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ : صَلَاةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى ابْنِ أَبِي اُخْتُلِفَ فِيهَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ :
الْأَوَّلُ : مَا تَقَدَّمَ من أَنَّهُ خُيِّرَ فَاخْتَارَ .
الثَّانِي : مَا رُوِيَ أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ مُرَاعَاةً لِوَلَدِهِ ، وَعَوْنًا لَهُ عَلَى صِحَّةِ إيمَانِهِ ، إينَاسًا لَهُ وَتَأْلِيفًا لِقَوْمِهِ ؛ فَقَدْ رُوِيَ ( أَنَّهُ لَمَا صَلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَسْلَمَ مِنَ الْخَزْرَجِ أَلْفُ رَجُلٍ ) .
الثَّالِثُ : مَا رَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : ( دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ ابْنِ سَلُولَ ، فَقَالَ : قَدْ كُنْت أَسْمَعُ قَوْلَك ، فَامْنُنْ عَلَيَّ الْيَوْمَ ، وَكَفِّنِّي بِقَمِيصِك ، وَصَلِّ عَلَيَّ . فَكَفَّنَهُ رَسُولُ اللَّهِ بِقَمِيصِهِ ، وَصَلَّى عَلَيْهِ . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : فَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَيُّ صَلَاةٍ هِيَ ، وَإِنَّ مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُخَادِعْ إنْسَانًا قَطُّ . قَالَ عِكْرِمَةُ : غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ كَلِمَةً حَسَنَةً قَالَ الْمُشْرِكُونَ : إنَّا مَنَعْنَا مُحَمَّدًا أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ ، وَإِنَّا نَأْذَنُ لَك . فَقَالَ : لَا ، لِي فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ) .
قَالَ الْقَاضِي : وَاتِّبَاعُ الْقُرْآنِ أَوْلَى فِي قَوْله تَعَالَى : { إنَّهُمْ كَفَرُوا بِاَللَّهِ . . . } الْآيَةَ . فَأَخْبَرَ عَنْهُ بِالْكُفْرِ وَالْمَوْتِ عَلَى الْفِسْقِ . وَهَذَا عُمُومٌ فِي الَّذِي نَزَلَتْ الْآيَةُ بِسَبَبِهِ ، وَفِي كُلِّ مُنَافِقٍ مِثْلِهِ .