قوله تعالى : { أقم الصلاة لدلوك الشمس . . . } إلى قوله تعالى : { عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا } :
واختلف في قوله : { أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر } بعد الاتفاق على أنه في الصلوات المفروضة . فقيل يشتمل على الصلوات الخمس ، ودلوك الشمس زوالها ، والإشارة إلى الظهر والعصر ، وغسق الليل ظلمته والإشارة به إلى المغرب والعشاء . وقرآن الفجر يريد به صلاة الصبح {[9625]} . وقيل لا يشتمل على كل الصلوات الخمس ولكن دلوك الشمس غروبها والإشارة به إلى المغرب ، وغسق الليل الإشارة به إلى العتمة ، وقرآن الفجر صلاة الصبح {[9626]} ولم تقع إشارة – على هذا القول – إلى الظهر والعصر . واستدل بعضهم بقوله تعالى : { وقرآن الفجر } على أن الصلاة لا تكون إلا بقرآن . وقوله تعالى {[9627]} : { إن قرآن الفجر كان مشهودا } اختلف فيه ، فقيل معناه تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار حسبما جاء به الحديث المشهور {[9628]} . وقال محمد بن سهل بن عسكر {[9629]} يشهده الله وملائكته . وقوله تعالى : { ومن الليل فتهجد به نافلة لك } ، التهجد عند العرب السهر ، ضد الهجود . واختلف المفسرون فيه ، فقيل هو السهر بعد نومة {[9630]} وقيل هو ما كان بعد العشاء الأخيرة {[9631]} . واختلف في معنى قوله تعالى : { نافلة لك } . فقيل – وهو قول ابن عباس وغيره – زيادة لك في الفرض . قالوا وكان قيام الليل على النبي صلى الله عليه وسلم فرضا . فعلى هذا القول يكون الأمر في الآية على الوجوب . وقيل – وهو قول مجاهد وغيره – لفظ نافلة على بابه من معنى الزيادة ، وكان ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم لأنه مغفور له ، فلم يكن فعله ذلك يكفر عنه شيئا من الذنوب لأن الله تعالى كان قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، فكان له نافلة أي فضلا وزيادة . وأما غيره فهو كفارة له ، وليس له نافلة لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر عام الحديبية فإنما كانت نوافله واستغفاره فضائل في العمل وقربا أشرف من نوافل أمته ، لأن نوافل أمته إما أن تجبر بها فرائضهم ، وإما أن تحط بها خطاياهم وقد يتصور من لا ذنب له يتنفل فيكون تنفله فضلا كنصراني أسلم وصبي احتلم . وضعف الطبري هذا وعضد قول ابن عباس . وتحتمل الآية قولا ثالثا ، وهو أن يكون على طريق الندب في التنفل ، وخوطب بها النبي صلى الله عليه وسلم ، والمراد هو وأمته كالخطاب في قوله تعالى : { أقم الصلاة } .