26- قوله تعالى : { إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى } الآية |البقرة : 26| .
اختلف في هذه الآية هل هي منسوخة أم لا ؟ فذهب بعضهم إلى أنها منسوخة .
وروي عن ابن عباس-رضي الله تعالى عنهما- أنها نزلت في أول الإسلام وقرر{[160]} الله بها أن من آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم ومن بقي على يهوديته ونصرانيته وصابيته ، وهو يؤمن بالله واليوم الآخر |من جميعهم|{[161]} فله أجره ثم نسخ ما قرر من ذلك بقوله تعالى : { ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه } الآية |آل عمران : 85| وردت الشرائع كلها إلى شريعة محمد صلى الله عليه وسلم{[162]} .
وذهب بعضهم إلى أنها غير منسوخة واختلفوا في تأويلها ، فقال سفيان الثوري{[163]} : الذين آمنوا في هذه الآية المنافقون من أمة محمد صلى الله عليه وسلم كأنه قال الذين آمنوا في ظاهر أمرهم وقرنهم باليهود والنصارى والصابئين . ثم بين حكم من آمن بالله واليوم الآخر من جميعهم ، فمعنى قوله تعالى من آمن في المؤمنين المذكورين من حقق وأخلص . وفي سائر الفرق المذكورة من دخل في الإيمان وقالت فرقة : الذين آمنوا هم المؤمنون حقا بمحمد صلى الله عليه وسلم .
وقوله : { من آمن بالله } |البقرة : 26| يكون فيهم بمعنى من ثبت ودام{[164]} وفي سائر الفرق من دخل فيه . قال السدي : هم أهل الحنيفية ممن لم يلحق{[165]} بمحمد صلى الله عليه وسلم |كزيد بن عمرو بن نفيل ، وقس بن ساعدة وورقة بن نوفل { والذين هادوا } |{[166]} إلا من كفر بعيسى-عليه السلام- والنصارى كذلك ممن لم يلحق محمدا صلى الله عليه وسلم والصابئين كذلك . وقيل : إنها نزلت في أصحاب سلمان الفارسي ، وذلك أن سلمان صحب عبادا من النصارى فقال له أحدهم : إن زمان نبي قد أظل فإن لحقته فآمن به ، فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر له خبرهم وسأله عنهم فنزلت الآية{[167]} . فمحصول هذا القول أن من آمن بالله ، وعمل صالحا ، وكان قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم لهم أجرهم عند ربهم . وفي هذه الآية عندي احتمالان آخران :
أحدهما : أن يريد بقوله { الذين آمنوا } من آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم من العرب وبقوله : { والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن } من هؤلاء الطوائف سوى العرب يريد بمحمد صلى الله عليه وسلم فكأنه قال : إن الذين آمنوا ومن آمن من اليهود والنصارى والصابين فلهم أجرهم عند ربهم فتكون الآية كلها في المؤمنين بمحمد صلى الله عليه وسلم .
والاحتمال الثاني : أن يريد بقوله : { والذين هادوا } الآية من لم تبلغه الدعوة من هؤلاء الطوائف ، لأنه قد اختلف فيهم ، فقيل : إن أحكام{[168]} شريعة محمد صلى الله عليه وسلم غير لازمة لهم ولا يكفرون بمخالفتها ، وذهب قوم من الخوارج إلى أنها لازمة لهم ، وأنهم كفار{[169]} بمخالفتها . وهذا مردود بقوله تعالى : { لا يكلف الله نفس إلا وسعها } |البقرة : 276| وذهب الجمهور إلى أنها لازمة لمن لم تبلغه ولكنه يعذر بجهله ومغيبه عن المعرفة . ويمكن أن تتأول الآية على هذا ، ووزان هذه المسألة من مسائل الأصول مسألة من لم يبلغه النسخ ، ومن مسائل الفروع مسألة الوكيل يعزل ولا يعلم العزل ، وقد حكي عن الشيخ أبي الحسن الأشعري أنه يجوز أن يعاد من لم تبلغه الدعوة والمجانين ويدخلون الجنة ، ويجوز ألا يعادوا ولم يرد قطع في ذلك .