وقوله تعالى : { من قبل صلاة الفجر } :
يعني من قبل صلاة الصبح . ففي هذا دليل على أن بعد صلاة الصبح ليس بوقت انكشاف لا ينبغي النوم فيه . وقد روي ما يعضد هذا عن عبيد بن عمير {[10156]} أن عبد الله بن الزبير قال له : يا عبيد أما علمت أن الأرض حجت إلى ربها عز وجل من نوم العلماء بالضحى مخافة الغفلة عليهم . وروي عن عثمان قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الصبحة تمنع بعض الرزق " {[10157]} وروي عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه كان يقول : النوم ثلاثة : فنوم خرق ونوم خلق ونوم حمق . فأما نوم خرق فنومة الضحى يقضي الناس حوائجهم وهو نائم . وأما نومة خلق فنومة القائلة . وأما نومة حمق فنومة حين تحضر الصلاة {[10158]} وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في هذه النومة : " محيرة منخرة ، محفرة " {[10159]} . فهذه الأحاديث كلها مع دليل الآية حجة في أنه لا يجوز النوم في ذلك الوقت . وفي العتبية عن مالك أنه سئل عن النوم بعد الصبح فقال : ما أعلم حراما . فظاهر قوله إجازة النوم في ذلك الوقت ، ولم يصح عنده – والله أعلم – شيء من الأحاديث ، فلذلك أجازه .
وفي قوله تعالى : { وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة } :
يريد القائلة ، دليل على {[10160]} أن النوم في هذا الوقت جائز {[10161]} وأنه في غير ذلك الوقت من النهار ليس كذلك . وقد اختلف في ذلك فكرهه بعضهم لما روي من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل عليا في حاجة بعد أن صلى الظهر بالصهباء فرجع وقد صلى النبي صلى الله عليه وسلم العصر فوضع النبي صلى الله عليه وسلم رأسه في حجر علي فلم يحركه حتى غابت الشمس فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " اللهم إن عبدك عليا احتبس نفسه على نبيه فرد عليه شرقها " قالت أسماء فطلعت الشمس حتى وقفت على الجبال وعلى الأرض ثم قال علي رضي الله تعالى عنه فتوضأ وصلى العصر ثم غابت {[10162]} .
وفي قوله تعالى : { ومن بعد صلاة العشاء } :
دليل على النوم في هذا الوقت وهو المعروف المباح . وقد جاء من الآثار ما يعضد ذلك . وروي عنه عليه الصلاة والسلام أنه كان يكره النوم قبل العشاء والحديث بعدها {[10163]} .
وكان عمر بن الخطاب يضرب الناس على الحديث بعد العشاء ويقول : اسمروا أول الليل ونوموا آخره وقال سلمان الفارسي إياكم وسمر أول الليل فإنه مهدنة للآخرة فمن فعل ذلك فليصل ركعتين قبل أن يأوي إلى فراشه . وكان إبراهيم وابن سيرين يكرهان الكلام بعد العشاء وهذا في السمر لغير العلم وأفعال البر . وأما السهر لهذا فجائز . وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سهر بعدها غير مرة . قال عمر كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمر عند أبي بكر الليلة كلها في أمر من أمور المسلمين وأنا معه {[10164]} وجاء في بعض الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كره السمر إلا لمصل أو مسافر أو مذاكر {[10165]} وفي الآية – على ما قدمنا – دليل على أن النوم قبل العشاء ليس كالنوم بعدها ، وقد اختلف فيه . فكان ابن عمر يكاد يسب الذي ينام قبل العشاء . وكرهه أنس وعمر وأبو هريرة وابن عباس وغيرهم ، وهو قول مالك في العتبية والكوفيين ، رخصت فيه طائفة . روي عن علي رضي الله تعالى عنه أنه كان ربما نام قبل العشاء وكان ابن عمر ينام ويوكل من يوقظه . وعن أبي موسى وعبيدة مثله . وعن ابن سيرين وعروة أنهم كانوا ينامون نومة الصلاة ، وكان أصحاب عبد الله يفعلون ذلك ، وقال به بعض الكوفيين واحتج له الطحاوي .
وقوله تعالى : { ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهن } :
فيه دليل على أن الموالي في الاستئذان في الدخول على العبيد في هذه الأوقات مثل ما على العبيد .