– قوله تعالى : { وأن ليس للإنسان إلا ما سعى ( 39 ) } :
اختلف في هذه الآية هل هي منسوخة أو محكمة ؟ فذهب ابن عباس إلى أنها موجبة أن لا ينتفع الإنسان إلا بعمله خاصة ، وأنها منسوخة بقوله تعالى : { والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم } [ الطور : 21 ] فأخبر أنه أدخل الأبناء الجنة بصلاح الآباء . وهذا قول ضعيف لأن الآية خبر ، وأيضا بأنها من شريعة غيرنا . وقيل هي محكمة {[10609]} . واختلف الذاهبون إلى ذلك في تأويلها ، منهم من رآها في شريعة غيرنا فلم يلزمها في شريعتنا . روي عن عكرمة أنه قال : كان هذا الحكم في قوم إبراهيم وموسى ، وأما هذه الأمة فلها سعي غيرها . ومنهم من قال الإنسان المذكور في الآية هو الكافر وأما المؤمن فله سعيه وما سعى له غيره ، وهو قول الربيع بن أنس . وقيل الآية محكمة في شريعتنا وفي المؤمنين وليس للإنسان حقيقة إلا سعيه . وأما ما ثم من رحمة لسعي غيره من شفاعة أو رعاية أب صالح أو ابن أو عمل صالح قد عمله له غيره ونحو ذلك فليس هو للإنسان إلا على تجوز . فالآية إنما جاءت على إثبات الحقيقة . وهذا أصح ما يقال في الآية محكمة وعلى ظاهرها ولا ينفع أحدا عمل أحد ولا ينتفع الإنسان إلا بعمله ، فلهذا الاختلاف الذي قدمناه اختلف في العمل بالبدن أو المال عن الإنسان بعد موته . فلم يره من حمل الآية على ظاهرها . قال المهدوي : وهو قول مالك . وكره مكي ولم ينسبه ، ورآه من لم يحملها على ظاهرها وتأولها أو رآها منسوخة ، ومن حجته أيضا حديث سعد بن عبادة في النذر الذي كان على أمه ، وما جاء عن عائشة من أنها اعتكفت عن أخيها عبد الرحمن وأعتقت عنه ، وحديث المرأة من خثعم {[10610]} وحديث الصيام في قوله عليه الصلاة والسلام : " من مات صام عنه وليه " {[10611]} ونحو ذلك من الأحاديث الجائية . وقد ذكر البخاري عن ابن عمر وابن عباس أنهما قالا لامرأة جعلت أمها على نفسها صلاة بقيا : تصلي عليها . وقد جاء عنهما غير ذلك{[10612]} . وأما النذر الذي كان على أم سعد فقيل كان صوما وقيل عتقا وقيل صدقة وقيل نذرا مطلقا . وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالقضاء {[10613]} . وفرق بعضهم دين العمل بالبدن كالصيام والحج ، والعمل بالمال كالصدقة والعتق . فلم يجيزوا العمل بالبدن وأجازوه في المال وأجمعوا على أنه لا يؤمن أحد على أحد ولا يصلي أحد على أحد ، فليس للإنسان من ذلك إلا سعيه . كذا ذكروا أنهم أجمعوا في الصلاة ، وقد جاء فيه ما ذكرناه عن ابن عباس وغيره . وكذلك ذكره الباجي وغيره أنهم أجمعوا على أن صدقة الحي عن الميت جائزة {[10614]} وذكر أهل التفسير فيها الخلاف المتقدم عن مالك وغيره حسبما قدمته . واختلف في الوصية بالحج الفرض فأجازها مالك ولم يجزه غيره لظاهر الآية ، وهذا قول ابن كنانة {[10615]} من أصحاب مالك . ومالك يرى أنه إذا أوصى بذلك فهو من سعيه . وذكر بعضهم أنه إنما نفذت وصيته بذلك لما جاء في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ومراعاة الاختلاف فيه . واختلف من ذهب إلى تنفيذ الوصية بالحج فيمن عليه نذر مشي فأوصى به . فالمشهور في المذهب أنها لا تنفذ وصيته ويهدى عنه في المشي هديان . وقيل يهدى عنه من الهدايا بقدر الكراء والنفقة . وسحنون يرى أن تنفيذ وصيته بالمشي النذر كما تنفذ بالحج . وقد استحب مالك بمن وعد أباه أن يمشي عنه أن يفي بما وعده من ذلك . وأما الوصية بالصيام فلا ، قال : وفي المذهب أنه لا تنفيل ، لكنه يطعم عنه عن كل يوم مدا لكل مسكين . وإن قرأ رجل ووهب ثواب قراءته لميت جاز ذلك ووصل للميت أجره ونفعه . وكذلك اختلف في الرجل يستأجر من يحج عنه تطوعا على قولين . وللشافعي في أحد قوليه أنه لا يجوز ، وقاله ابن المنذر واحتج بقوله تعالى : { وأن ليس للإنسان إلا ما سعى ( 39 ) } . والمسائل في هذا النوع تكثر {[10616]} .