قوله تعالى : { ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده } :
قوله : { التي هي أحسن } : قال الضحاك والسدي : أن يتجر فيه . قال بعضهم تدل هذه الآية على أنه يجوز للوصي أن يدفع مال اليتيم مضاربة . وقال ابن زيد : يأكل منه إن افتقر ولا يأكل إن استغنى {[8243]} وقد قال بعضهم {[8244]} إن الآية منسوخة بقوله تعالى : { وإن تخالطوهم فإخوانكم } . وهو قول ضعيف لأن المخالطة المباحة في هذه الآية هي : التي هي أحسن في الآية الأخرى . ومن فقه هذه الآية {[8245]} أن لا يقرب مال اليتيم إلا بما يصلحه ويوفره ولا يستسلفه منه الوصي ولا يشتري منه شيئا . وأجاز مالك رحمه الله تعالى في اليسير ، ولم يجزه في الكثير . واختلف في المراد بالأشد . فقيل بلوغ الحلم مع أن لا يثبت سفه . وقيل بلوغ الحلم وإيناس الرشد . والقولان في المذهب . وقال السدي : الأشد ثلاثون سنة ، وقيل ثلاث وثلاثون سنة وروي أيضا عن السدي . وقيل الأشد من خمسة عشر إلى ثلاثين ، كذا ساق المفسرون الخلاف في الأشد في هذا الموضع {[8246]} .
والذي يليق بلفظ الآية ههنا أن يكون الأشد أحد القولين الذين ذكرنا أولا . وقال بعضهم : بلوغ الأشد هو البلوغ وأن الأشد والكمال لا يعرف إلا به . وأبو حنيفة يقول : بلوغ الأشد بلوغ خمس وعشرين سنة {[8247]} وهذا تحكم منه لا وجه له ولا دليل عليه لا لغة ولا شرعا . وفي الكلام حذف . والمعنى فإذا بلغ أشده فادفعوا إليه ماله وهذا من أقوى درجات أدلة الخطاب ، والمنكر له قليل .
وقوله تعالى : { وأوفوا الكيل والميزان بالقسط } :
أمر بالاعتدال في العطاء والأخذ . والقسط : العدل . وقوله : { لا نكلف نفسا إلا وسعها } يقتضي أن الأوامر المتقدمة إنما هي فيما يقع تحت الوسع من الحفظ لا أنه مطالب بغاية العدل في الشيء المتصرف . وفي هذا دليل على إبطال القول بتكليف ما لا يطاق . وقوله تعالى : { وإذا قلتم فاعدلوا } قيل : معناه إذا توسطتم بين الناس . وقيل يعني به الشهادة{[8248]} . والآية عندي متضمنة للقولين {[8249]} . { وبعهد الله أوفوا } . يريد {[8250]} ما عهد به تعالى إلى عباده . ويحتمل أن يريد العهد مطلقا كان بين الله وبين{[8251]} عباده{[8252]} أو بين بعض الناس وبعض وإضافته إلى الله تعالى من حيث قد أمرنا بالوفاء به .