– وقوله تعالى : { يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا . . . . } إلى قوله تعالى : { إن الله غفور رحيم } :
هذه هي بيعة النساء في ثاني يوم الفتح على جبل الصفا . وسماهن المؤمنات بحسب الظاهر كما تقدم .
قوله تعالى : { على أن لا يشركن بالله شيئا } : أي على أن يرفضن الشرك ، ورفضه هو خالص الإيمان .
قوله تعالى : { ولا يسرقن ولا يزنين } : بين .
قوله تعالى : { ولا يقتلن أولادهن } : هو من خوف الفقر ، وكانت العرب تفعل ذلك .
قوله تعالى : { ولا يأتين ببهتان } :
اختلف في معناه . فقال كثير من المفسرين : معناه أن تنسب إلى زوجها ولدا ليس له .
وقال قوم : الآية على العموم في أن ينسب إلى الرجل غير ولده . وفي الفرية بالقول على أحد وفي الكذب فيما أؤتمن فيه من الحيض والعمل وبعض ذلك أقوى من بعض . وإلى نحو هذا أشار بعضهم فقال : ما بين أيديهن ، يريد به اللسان والفم في الكلام والقبلة ونحوه . وبين الأرجل يراد به الفروج وولد الإلحاق ونحوه {[10705]} .
قوله تعالى : { ولا يعصينك في معروف } :
قال ابن عباس وأنس وغيرهما : هو النوح وشق الجيوب ووشم الخدود ووصل الشعر وغير ذلك مما أمرت السنة بتركه فرضا كان أو ندبا . وفي الحديث أن جماعة نساء فيهن هند بنت عتبة {[10706]} بايعن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ عليهن الآية ، فلما قررهن على أن لا يشركن قالت هند : وكيف نطمع أن تقبل منا ما لم تقبله من الرجال ، أي هذا بين لزومه . ولما وقفها على السرقة قالت : والله إني لأصيب الهنة من مال أبي سفيان ولا أدري هل يحل لي ذلك . فقال أبو سفيان : ذلك حلال فيما مضى وفيما بقي . وقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : " خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف " . ولما وقفها على الزنا قالت : يا رسول الله وهل تزني الحرة ؟ فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا ما تزني الحرة " وذلك أن الزنا في قريش إنما كان في الإماء في الغالب . ولما وقفها على قتل الأولاد قالت : نحن ربيناهم صغارا وقتلتهم أنت ببدر كبارا . فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم . فلما وقفها على العصيان في المعروف قالت : ما جلسنا هذا المجلس وفي أنفسنا أن نعصيك . وروي أن جماعة من النساء بايعن رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما في الآية ، فلما فرغن قال لهن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
" فيما استطعتن وأطعتن " . فقلن الله ورسوله أرحم بنا منا بأنفسنا {[10707]} .
قوله تعالى : { فبايعهن } :
أي إذا أقررن لك فامض معهن صفقة الإيمان . واختلف في الهيئة التي بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها النساء بعد الاتفاق على أن يده لم تمس يد امرأة أجنبية قط ، فذكرت عائشة أنه بايع باللسان قولا . وقال إنما قولي لمائة امرأة كقولي لامرأة واحدة ، وجاء في نحو ذلك حديث عن أسماء بنت يزيد بن السكن {[10708]} وذكر بعضهم أن نساء من الأنصار بايعن رسول الله صلى الله عليه وسلم فمد رسول الله صلى الله عليه وسلم يده من خارج بيت ومد النساء أيديهن من داخله فبايعهن . وروي عن الشعبي أنه لف ثوبا كثيفا قطريا على يده وجاءت نسوة فلمسن يده كذلك . وروي أن نسوة بايعن رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان عمر بن الخطاب يلمس أيدي النساء وهو خارج من البيت والنساء في داخل البيت ، بحيث لا يراهن . وروي أيضا أنه عليه الصلاة والسلام بايعه النساء على الصفا بمكة وعمر بن الخطاب يصافحهن . وروي عن ابن عباس وعروة الثقفي {[10709]} أنه عليه الصلاة والسلام غمس يده المباركة في إناء فيه ماء ثم دفعه إلى النساء فغمسن فيه أيديهن ثم أمره تعالى بالاستغفار لهن ورجاهن غفرانه ورحمته بقوله تعالى : { واستغفر لهن الله إن الله غفور رحيم } وهذه الآية غير معمول بها اليوم لأنه قد أجمع الناس أنه ليس على الإمام أن يشترط عليهن ذلك . فإما أن تكون منسوخة ولم يذكر ذلك ، وإما أن يكون ندبا لا إيجابا . وقد ذهب بعض العلماء إلى أنه إذا احتيج إلى المحنة من أجل تباعد الدار كان على إمام المسلمين إقامة المحنة .