– قوله تعالى : { ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا ( 8 ) } :
اختلف في تأويل الأسير . فقال قتادة أراد أسرى الكفار وإن كانوا على غير الإسلام . قال الحسن : ما كان أسراهم إلا مشركين وكل كبد رطبة ففيها أجر . وقال بعض أهل العلم هذا إما منسوخ بآية القتال وإما محكم لتحفظ حياة الأسير حتى يرى الإيمان فيه رأيه . وقد استدل بعضهم بهذه الآية على أن إطعام المشرك يتقرب به إلى الله . غير أن ذلك في صدقة التطوع وأما المفروض فلا دليل عليه ، وقد اختلف قول مالك في الوصية لليهود والنصارى فكرهه . وقال سحنون وقد كان قبل ذلك يجيزه . قال ابن القاسم ولست أرى به بأسا إذا كان ذلك منه على وجه الصلة مثل أن يكون أباه وأخاه ، وأما على غير هذا فلا أراه . وأما الوصية للذميين الأباعد فلا خلاف في كراهة ذلك . وفي موطأ ابن وهب عن مالك فيمن نذر صدقة على كافر أن ذلك يلزمه . وقال في موضع آخر : إن قال مالي صدقة على فقراء اليهود أن ذلك يلزمه فيتصدق عليهم بثلث ماله . وقد قال عز وجل : { ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا ( 8 ) } والأسير الكافر فإذا وصى لهم بنفقة لفقرهم جاز ذلك على كراهة لأن الأجر في الصدقة على فقراء المسلمين أجزل . وقد أجاز أشهب الوصية للذميين كانوا ذوي قرابة أو أجنبيين إجازة مطلقة دون كراهة . قال بعضهم : ومعنى ذلك في الأجنبيين – والله تعالى أعلم – إذا كان لهم حق في جوار أو يد سلفت لهم إليه أو ما أشبه ذلك . وأما إن لم يكن ذلك فالوصية لهم محظورة إذ لا يوصى للكافر من غير سبب إلا مسلم مريض الإيمان قال تعالى : { لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم } [ المجادلة : 22 ] .
وأما الوصية للحربي فإنها لا تجوز لأن ذلك قوة لهم ، ويرجع ذلك ميراثا ولا تجعل صدقة ولا غيرها . وكذلك من أوصى بما لا يحل ، قاله أصبغ في الواضحة . وقال مجاهد وابن جبير وغيرهما : أراد بالأسير المسجونين من الناس ولهذا يخص على صدقة المسجون {[10847]} . وروى الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم فسر الأسير هنا بالمملوك والمسجون . وقال بعضهم : أراد أسارى المؤمنين الذين تركوا في بلاد الحرب رهائن وخرجوا لطلب الفداء . وقال أبو حمزة الثمالي {[10848]} : الأسير هنا المرأة ودليله قوله عليه الصلاة والسلام : " استوصوا بالنساء خيرا فإنهن عوان عندكم " {[10849]} .