قوله تعالى : { إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء } إلى قوله : { إن الله بكل شيء عليم } :
حكم الله تعالى بهاتين في المهاجرين والأنصار ، فإن بعضهم أولياء بعض ، فاختلف في مقتضى هذه الآية . فقيل في المؤازرة والمعونة واتصال الأيدي {[8800]} . والآية على هذا القول محكمة . وقيل هي في الميراث وذلك أن المسلمين كانوا يتوارثون بالهجرة فكان الرجل إذا أسلم ولم يهاجر لم يرث أخاه المهاجر {[8801]} . وروي عن {[8802]} ابن عباس أنه قال : آخى {[8803]} النبي صلى الله عليه وسلم بين أصحابه فكانوا يتوارثون بذلك . وقال عكرمة أقام الناس زمانا لا يرث الأعرابي المهاجر ولا المهاجر الأعرابي . والآية على هذه الأقوال منسوخة نسخها قوله تعالى : { وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض } على القول بأنها في الميراث أيضا . وقد اختلف فيها على حسب الاختلاف في الآية المتقدمة . قيل هي من ولاية المؤازرة والمعاونة فليست بناسخة ولا منسوخة ، وإليه ذهب مالك رحمه الله تعالى . وقيل هي في ولاية المؤازرة وهي ناسخة كما تقدم . والذين ذهبوا إلى هذا اختلفوا هل هي منسوخة أو محكمة . فذهب قوم إلى أنها منسوخة لأنها اقتضت توريث جميع القرابات فنسخت بآية المواريث المبينة في سورة النساء . وذهب قوم إلى أنها محكمة وأنها في من يرث ممن جاءه ميراث في كتاب أو سنة وأنها آية مجملة مبينة بغيرها . وذهب أيضا قوم إلى أنها محكمة عامة في جميع القرابات وعلى هذا ينبني اختلاف العلماء في توريث من لا سهم له في كتاب ولا سنة من ذوي الأرحام وليس بعصبة كأولاد البنات وبني الأخوات وبنات الإخوة والعمة والخالة وعمة الأب والعم أخي الأب للأم والجد أبي الأم والجدة أم أبي الأم ومن أدلى بهم . فقالت طائفة إذا لم يكن للميت وارث له فرض مسمى فماله للموالي المعتقين {[8804]} فإن لم يكونوا فلبيت المال ولا يرث أحد من ذوي الأرحام المذكورين ، وهو قول أبي بكر وعلي وغيرهم من أهل العلم وأهل المدينة والشافعي . وذهب قوم إلى أنهم يرثون ولا يرث بيت المال مع الرحم شيئا وهو قول الكوفيين والثوري {[8805]} وأحمد وغيرهم . وروي عن علي رضي الله تعالى عنه . واحتج من ذهب إلى هذا بقوله عز وجل : { وأولوا الأرحام } الآية فحملوا الآية على عمومها وهو قول ضعيف بل الآية مجملة {[8806]} والمفسر يقضي عليها فينبغي أن يعتمد عليه . واختلف فيمن أولى بالصلاة على الميت الوالي أو الولي . فذهب مالك وأبو حنيفة وغيرهم إلى أن الوالي أولى .
إلا أن مالكا قال في الوالي إن كانت إليه الصلاة . وقيل إنما ذلك للوالي الأكبر الذي تؤدى إليه الطاعة فأما غيره من الولاة فلا وإن كانت إليه الصلاة وهو قول مطرف {[8807]} وأصبغ وابن عبد الحكم . وحجة القول الأول أن الحسين بن علي {[8808]} قدم سعيد بن العاص {[8809]} يوم مات أخوه الحسن {[8810]} وقال {[8811]} لولا السنة ما قدمتك ، وسعيد يومئذ أمير المدينة . وقيل الولي أحق من الوالي جملة وهو قول الشافعي وأبي يوسف واحتج أصحاب الشافعي بعموم قوله تعالى : { وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض } .