ولهذا يقول القرآن الكريم في الآية الأُخرى: ( إِلا من رحم ربُّك ) ولكن هذه الرحمة الإِلهية ليست خاصّة بجماعة معينة ،فالجميع يستطيعون «شريطة رغبتهم » أن يستفيدوا منها ( ولذلك خلقهم ) .
الأشخاص الذين يريدون أن يستظلوا برحمة الله فإنّ الطريق مفتوح لهم ...الرحمة التي أفاضها الله لجميع عباده عن طريق تشخيص العقل وهداية الأنبياء .
ومتى ما استفادوا من هذه الرحمة والموهبة ،فإنّ أبواب الجنّة والسعادة الدائمة تفتح بوجوههم ،وإلاّ: فلا: ( وتمت كلمة ربّك لأملأن جهنم من الجنّة والناس أجمعين ) .
ملاحظات
1حرية الإِرادة هي أساس خلق الإِنسان ودعوة جميع الأنبياء ،وأساساً لا يستطيع الإِنسان بدونها أن يخطو ولو خطوة واحدة في مسير التكامل «التكامل الإِنساني والمعنوي » ولهذا فقد أكّدت آيات متعددة على أنّه لو شاء الله أن يهدي الناس بإِجباره لهم جميعاً لفعل ،لكنّه لم يشأ .
فيما يتعلق بالله هو الدعوة إلى المسير الحق وتعريف الطريق ووضع العلامات ،والتنبيه ،على ما ينبغي الحذر منه وتعيين القائد للمسيرة البشرية والمنهج فحسب .
يقول القرآن الكريم: ( إِنّ علينا للهدى ){[1830]} كما يقول أيضاً ( إِنّما أنت مذكّر لست عليهم بمسيطر ){[1831]} ويقول في سورة الشمس: ( فألهمها فجورها وتقواها ){[1832]} ونقرأ أيضاً في سورة الدهر الآية ( 4 ): ( إِنّا هديناه السبيل إِمّا شاكراً وإِمّا كفوراً )فعلى هذا فإِن الآيات محل البحث من أوضح الآيات التي تؤكّد على حرية الإِرادة ونفي مذهب الجبر ،وتدل على أنّ التصميم النهائي هو بيد الإِنسان .
2في الهدف من الخلق والوجود ،في آيات القرآن بيانات مختلفة ،وفي الحقيقة يشير كل واحد منها إلى بعد من أبعاد هذا الهدف ،من هذه الآيات ( وما خلقت الجن والإِنس إِلاّ ليعبدون ){[1833]} أي ليتكاملوا في مذهب العبادة وليبلغوا أعلى مقام للإِنسانية في هذا المذهب .
ونقرأ في مكان آخر ( الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيّكم أحسن عملا ){[1834]} .
أمّا في الآية محل البحث فيقول: ( ولذلك خلقهم ) ...وكما تلاحظون فإنّ جميع هذه الخطوط تنتهي إلى نقطة واحدة ،وهي تربية الناس وهدايتهم وتقدمهم وتكاملهم ،وكل ذلك يعدّ الهدف النهائي للخلق .
وفائدة هذا الهدف تعود للإِنسان نفسه لا إلى الله ،لأنّ الله وجود مطلق لا نهاية له من جميع الجهات ،ومثل هذا الوجود لا نقص فيه ليرفعه ويزيله بالخلق .
3وفي نهاية الآية الأخيرة تأكيد على الأمر الإلهي بملء جنهم من الجن والإِنس أجمعين ،وبديهي أنّ هذا الأمر المحتوم فيه شرط واحد وهو الخروج من دائرة رحمة الله ،والتقهقر عن هداية الرسل والادلاّء من قِبَلهِ ،وبهذا الترتيب فإنّ هذه الآية لا يعتبر دليلا على مذهب الإِجبار بل هي تأكيد جديد على مذهب الاختيار .