التّفسير
اللعن الأبدي على القوم الظّالمين:
في آخر الآيات التي تتحدث عن قصّة قوم عاد ونبيّهم هود إِشارة إلى العقاب الأليم للمعاندين ،فتقول الآيات: ( ولما جاء أمرنا نجّينا هوداً والذين آمنوا معه ) وتوكّد أيضاً نجاة المؤمنين ( ونجّيناهم من عذاب غليظ ) .
الطريف هنا أنّ الآيات قبل أن تذكر عقاب الظلمة والكافرين ومجازاتهم ،بيّنت نجاة المؤمنين وخلاصهم ،لئلا يُتصور أنّ العذاب الإِلهي إذا نزل يحرق الأخضر واليابس معاً لأنّ الله عادل وحكيم وحاشاه أن يعذب ولو رجلاً مؤمناً بين جماعة كفرة يستحقون العذاب والعقاب .
لكن رحمة الله تنقل هؤلاء الأشخاص قبل نزول العذاب إلى محل آمن كما رأينا من قبل في قصّة نوح أنّه قبل شروع الطوفان كانت سفينة النجاة قد أُعدّت للمؤمنين ،وقبل أن ينزل العذاب على قوم لوط ويدمر مدنهم خرج لوط وعدد معدود من أصحابه من المدينة ليلا بأمر الله .
وفي قوله تعالى: ( نجّينا ) وتكرار هذه الكلمة في الآية مرّتين أقوال مختلفة للمفسّرين ،ف «نجينا » الأولى تعني خلاصهم من عذاب الدنيا و «نجّينا » الثّانية تعني نجاتهم في المرحلة المقبلة من عذاب الآخرة ،وينسجم هذا التعبير مع وصف العذاب بالغلظة أيضاً .
ويشير بعض المفسرين إلى مسألة لطيفة هنا ،وهي أنّ الكلام لما كان على رحمة الله فمن غير المناسب أن تتكرر كلمة العذاب مباشرة ،فأين الرحمة من العذاب ؟لذلك تكررت كلمة «نجينا » لتفصل بين الرحمة والعذاب دون أن ينقص شيء من التأكيد على العذاب .
كما ينبغي الالتفات إلى هذه المسألة الدقيقة أيضاً ،وهي أنّ آيات القرآن وصفت العذاب بالغليظ في أربعة موارد{[1781]} .
وبملاحظة تلك الآية بدقّة نستنتج أنّ العذاب الغليظ مرتبط بالدار الأخرى ،وخصوصاً الآيات التي جاءت في سورة إبراهيم وذكر فيها العذاب الغليظ ،فإنّها تصف بصراحة حال أهل جهنّم وأهوالها ،وهكذا أن يكون ،وذلك لأنّ عذاب الدنيا مهما كان شديداً فإنّه أخفّ من عذاب الآخرة !
وهناك تناسب ينبغي ملاحظته أيضاً ،وهو أن قوم عادكما سيأتي بيان حالهم إن شاء اللهورد ذكرهم في سورة القمر .والحاقة ،وكانوا قوماً ذوي أبدان طوال خشنين ،فشبّهت أجسامهم بالنخل ،ولهذا السبب كانت لديهم عمارات عالية عظيمة ،بحيث نقرأ في تاريخ ما قبل الإِسلام أن العرب كانوا يَنسبون البناءات الضخمة والعالية إلى عاد ويقولون مثلا: «هذا البناء عاديٌ » لذلك كان عذابهم مناسباً لهم لا في العالم الآخر بل في هذه الدنيا كان عذابهم خشناً وعقابهم صارماً ،كما مرّ في تفسير السور الآنفة الذكر .
/خ60