لذلك فإِنّهم لم يجيبوه عن الشقّ الأوّل من كلامه ،بل أجابوه عن الشقّ الثّاني لأنّه كان مهماً وأساسياً بالنسبة لهم إِذ ( قالوا لئن أكله الذئب ونحن عصبة إِنا إِذاً لخاسرون ) .
أي: أترانا موتى فلا ندافع عن أخينا ،بل نتفرج على الذئب كيف يأكله !ثمّ إِضافةً إلى علاقة الأخوة التي تدفعنا للحفاظ على أخينا ،ما عسى أن نقول للناس عنّا ؟هل ننتظر ليقال عنّا: إنّ جماعة أقوياء وفتية أشداء جلسوا وتفرجوا على الذئب وهو يفترس أخاهم !فهل نستطيع العيش بعد هذا مع الناس ؟!
لقدْ أجابوا أباهم بما تضمن قوله: ( أخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون )ومشغولون بلعبكم ،كيف يكون ذلك ؟والمسألة ليست بهذه البساطة ...إِنّها الخسارة وذهاب ماء الوجه والخزي ...إِذ كيف يمكن لواحد منّا أن يشغله اللعب فيغفل عن أخيه يوسف ،لأنّه في مثل هذه الحال لا تبقى لنا قيمة ولا نصلح لأي عمل .
ويبرز هنا سؤال مهم ...وهو: لماذا أشار يعقوب إلى خطر الذئب من دون الأخطار الأُخرى ؟!
قال البعض: إِن صحراء كنعانكانت«صحراء مذئبة » ومن هنا كان الخوف من الذئب أكثر من غيره .
وقال البعض الآخر: كان ذلك للرؤيا التي رآها يعقوب من قبل وهي أن ذئاباً هجمت على ولده يوسف .
وهناك احتمال آخر هو أن يعقوب أجابهم بلسان الكناية ،والمقصود من الذئاب في كلامه هم الأناس المتصفون بصفة الذئب إِخوة يوسف .
وعلى كل حال فقد استطاع إِخوة يوسف بما أوتوا من الحيل ،وبتحريك أحاسيس يوسف النقيّة وترغيبه إلى التنزه خارج المدينة ،وربّما كان لأوّل مرّة يتاح ليوسف أن يحصل على مثل هذه الفرصة ...استطاعوا أن يأخذوا يوسف معهم وأن يستسلم الأب لهذا الأمر فيوافق على طلبهم .
/خ14