/م110
أخيراً نصل إلى الآية الأخيرة مِن سورة الإِسراء ،هذه الآية تُنهي السورة المباركة بحمد الله ،كما افتُتِحت بتسبيحه وتنزيه ذاته عز وجل .إِنَّ هذه الآيةفي الواقعهي خلاصة أخيرة لكل البحوث التوحيدية التي وردت في السورة ،وهي ثمرة لمفاهيمها جميعاً ،إِذ هي تخاطب الرّسول( صلى الله عليه وآله وسلم ) بالقول: ( وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولداً ولم يكن لهُ شريك في الملك ولم يكن لهُ ولي مِن الذل ) .
ومثل هذا الرّب في مثل هذه الصفات ،هو أفضل مِن كل ما تفكِّر به: ( وكبره تكبيراً ) .
ونلاحظ في هذه الآية عدة أُمور:
1تناسب الصفات الثلاثة
في الآيات أعلاه تمّت الإِشارة إلى ثلاث صفات مِن صفات الله ،ثمّ بملاحظة الأمر الوارد في نهاية الآية تكتمل إلى أربع صفات .
أوّلا: نفي الولد ،لأنَّ امتلاك الولد دليل على الحاجة ،وأنَّهُ جسماني ،ولهُ شبيه ونظير ،والخالق جلَّ وعلا ليسَ بجسم ولا يحتاج لولد ،وليس لهُ شبيه ونظير .
الثّاني: نفي الشريك ( ولم يكن له شريك في الملك ) حيث أن وجود الشريك دليل محدودية القدرة والحكومة والسلطة ،وهو دليل العجز والضعف ،ويقتضي وجود الشبيه والنظير .والخالق جلَّ وعلا مُنَزَّه عن هذه الصفات ،فقدرته كما هي حكومته غير محدودة ،وليسَ له أي شبيه .
الثّالث: نفي الولي والحامي عند التعرُّض للمشاكل والهزائم ( ولم يكن له ولي من الذلّ ) .
ونفي هذه الصفة عن الخالق يعتبر أمر بديهي ..إِنَّ الآية تنفي أي مساعد للخالق أو شبيه له ،سواء كان ذلك في مرحلة أدنى ( كالولد ) أو في مرحلة مساوية ( كالشريك ) أو أفضل مِنهُ ( كالولي ) .
نقل العلاّمة الطبرسي في ( مجمع البيان ) عن بعض المفسّرين الذين لم يذكر أسماءهم بصراحة قولهم: «إِنَّ هذه الآية تنفي ثلاثة اعتقادات منحرفة لثلاث مجاميع: المجموعة الأُولى هُمُ المسيحيون واليهود الذين يقولون بوجود الولد للخالق ،والثّانية مجموعة مشركي العرب الذين قالوا بوجود الشريك لهُ سبحانه ،لذلك فإِنّهم كانوا يقولون عند كل صباح وفي طقوس خاصّة: لبيك لا شريك لك ،إِلاَّ شريكاً هو لك !أمّا المجموعة الثّالثة ،فهم عبدة النجوم والمجوس الذين يقولون بوجود الولي والحامي للخالق » .
2ما هو التكبير ؟
القرآن يؤكّد على رسوله أن يُكبِّر الله ،وهذا تعني أنَّ الغرض مِن ذلك هو الاعتقاد بهذا الأمر ،وليس فقط ذكر ( الله أكبر ) على اللسان .
إِنَّ معنى الاعتقاد بأنَّ ( الله أكبر ) أن لا نقيسهُ معَ المخلوقات الأُخرى ،ونقول بأنَّهُ أعظم وأكبر مِنها ،لأنَّ مثل هذه المقايسة خطأ مِن الأساس .إِنّنا يجب أن نعتبره أعظم وأكبر مِن أن نقيسهُ بشيء ،كما يُعلمنا ذلك الإِمام الصادق( عليه السلام ) في مقولته القصيرة اللفظ والكبيرة المعنى ،حيث نقرأ فيها ما نصُّه:
قال رجل عند الإِمام الصادق( عليه السلام ): اللَّهُ أكبر .
فقال( عليه السلام ): «الله أكبر مِن أي شيء ؟» .
قال الرجل: مِن كل شيء .
فقال( عليه السلام ): «حددته » .
فقال الرجل: كيف أقول ؟
قال( عليه السلام ): قُل: «الله أكبر مِن أن يوصف »{[2269]} .
وفي حديث آخر عن الإِمام الصادق( عليه السلام ) أيضاً نقرأ عن جميع بن عُمير قال: قالَ أبو عبد الله( عليه السلام ): «أي شيء ،الله أكبر » .
فقلت: الله أكبر مِن كل شيء .
فقال: «وكانَ ثمّ شيء فيكون أكبر منهُ » .
فقلت: فما هو ؟
قالَ( عليه السلام ): «أكبر مِن أن يوصف »{[2270]} .
3الإِجابة على هذا السؤال
قد يُطرح هُنا هذا السؤال: كيف يكون حمد الخالق في الآية أعلاه في قبال الصفات السلبية ،في حين أنّنا نعلم بأنَّ ( الحمد ) هو في قُبال الصفات الثبوتية كالعلم والقدرة ،أمّا صفات مثل نفي الولد والشريك والولي فهي تتلاءم مَع التسبيح فكيف مَعَ الحمد ؟
في الجواب على هذا السؤال نقول: بالرغم مِن أنَّ طبيعة الصفات السلبية والثبوتية تختلف بعضها عن بعض وإِنَّ إحداهما تتلاءم مع التسبيح والأُخرى تتلاءم مع الحمد ،إلاَّ أنَّهُ في الوجود الخارجي ( العيني ) يكون الاثنان لازمين وملزومين ،فنفي الجهل عن الخالق يكون مُلازماً لإِثبات العلم له ،كما أنَّ إِثبات العلم لذاته جلَّ وعلا ملازم لنفي الجهل .
وعلى هذا الأساس فلا مانع تارة مِن ذكر اللازم وأُخرى من ذكر الملزوم .كما ذُكر التسبيح في بداية هذه السورة لأمر في قوله: ( سبحان الذي أسرى بعبده ليلا مِن المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ) .