/م278
( فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله ) .
تتغيّر في هذه الآية لهجة السياق القرآني ،فبعد أن كانت الآيات السابقة تنصح وتعظ ،تهاجم هذه الآية المرابين بكلّ شدة ،وتنذرهم بلهجة صارمة أنّهم إذا واصلوا عملهم الربوي ولم يستسلموا لأوامر الله في الحقّ والعدل واستمرّوا في امتصاص دماء الكادحين المحرومين فلا يسع رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إلاَّ أن يتوسّل بالقوّة لاَيقافهم عند حدّهم وإخضاعهم للحق ،وهذا بمثابة إعلان الحرب عليهم .وهي الحرب التي تنطلق من قانون: ( قاتلوا التي تبغي حتّى تفيء إلى أمر الله ){[479]} .
لذلك عندما سمع الإمام الصادق ( عليه السلام ) أنّ مرابياً يتعاطى الربا بكلّ صراحة ويستهزيء بحرمته هدّده بالقتل .
ويستفاد من هذا الحديث أن حكم القتل إنّما هو لمنكر تحريم الربا .( فاذنوا )من مادة «اذن » وكلما كانت متعدية بالأمر بالمعنى هو السماح وإذا تعدت بالباء فتعني العلم فعلى هذا يكون قوله ( فاذنوا بحرب من الله ){[480]} يعني اعلموا أن الله ورسوله سيحاربوكم وهذا في الحقيقة بمثابة إعلان الحرب على هذه الفئة ،فعلى هذا ليس من الصحيح ما ذهب إليه البعض في معنى هذه الآية بأنه «اسمحوا بإعلان الحرب من الله » .
عن أبي بكير قال: بلغ أبا عبد الله الصادق ( عليه السلام ) عن رجل أنّه كان يأكل الربا ويسمّيه اللبا .
فقال: لئن أمكنني الله منه لأَضربنّ عنقه{[481]} .
يتّضح من هذا أنّ هذا الحكم يخصّ الذين ينكرون تحريم الربا في الإسلام .
على كلّ حال يستفاد من هذه الآية أنّ للحكومة الإسلامية أن تتوسّل بالقوّة لمكافحة الربا{[482]} .
( وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تَظلِمون ولا تُظلَمون ) .
أمّا إذا تبتم ورجعتم عن غيّكم وتركتم تعاطي الربا فلكم أن تتسلّموا من الناس المدينين لكم رؤوس أموالكم فقط «بغير ربح » .وهذا قانون عادل تماماً ،لأنّه يحول دون أن تظلموا الناس ودون أن يصيبكم ظلم .
إنّ تعبير ( لا تَظلِمون ولا تُظلَمون ) وإن كان قد جاء بشأن المرابين ،ولكنّه في الحقيقة شعار إسلامي واسع وعميق ،يعني أنّ المسلمين بقدر ما يجب عليهم
تجنّب الظلم ،يجب عليهم كذلك أن لا يستسلموا للظلم .وفي الحقيقة لو قلّ الذين يتحمّلون الظلم لقلّ الظالمون أيضاً ،ولو أنّ المسلمين أعدّوا العدّة الكافية للدفاع عن حقوقهم لما تمكّن أحد أن يعتدي على تلك الحقوق ويظلمهم .فقبل أن نقول للظالم: لا تظلم ،علينا أن نقول للمظلوم: لا تستسلم للظلم .
/خ281