4الإيمان بالأنبياء( عليهم السلام ):
الخاصية الرابعة للمتّقين الإيمان بجميع الأنبياء وبرسالاتهم الإِلهية ؛( وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ ) .وفي هذا التعبير القرآني إشارة إلى أن المتقين يؤمنون بتوافق دعوة الأنبياء في المبادئ والأُسس بأنهم جميعاً هداة البشرية نحو صراط مستقيم واحد ،أحدهم يكمل الشوط الذي قطعه سلفه في قيادة البشرية نحو كمالها المرسوم .ويؤمنون بأن الأديان الإلهية ليست وسيلة للتفرقة والنفاق ،بل على العكس وسيلة للإرتباط وعامل للشّدّ بين أبناء البشر .
الأشخاص الذين يحملون مثل هذه الرّؤية ومثل هذا الإدراك يسعون لتطهير أرواحهم من التعصّب ،ويؤمنون بما جاء به جميع الأنبياء لهداية البشر وتكاملهم ،ويحترمون كل دعاة وهداة طريق التوحيد .
الإيمان برسالات الأنبياء السابقين لا يمنع طبعاً من انتهاج رسالة خاتم الأنبياء في الفكر والعمل ،لأن هذه الرّسالة هي آخر حلقة من السلسلة التكاملية للأديان ،وعدم انتهاجها يعني التخلف عن المسيرة التكاملية للبشرية .
5الإيمان بيوم القيامة
آخر صفة في هذه السلسلة من الصفات التي قررها القرآن للمتقين ( وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ ) .
إنهم يوقنون بأن الإنسان لم يخلق هملا وعبثاً .فالخليقة عينت للكائن البشري مسيرة تكاملية لا تنتهي إطلاقاً بموته إذ لو كان الموت نهاية المسير لكانت حياة الإنسان عبثاً لا طائل تحته .
المتّقون يقرّون بأن عدالة الله المطلقة تنتظر الجميع ،ولا شيء من أعمال البشر في هذه الدنيا يبقى بدون جزاء .
هذا اللون من التفكير يبعث في نفس حامله الهدوء والسكينة ،ويجعله يتحمل أعباء المسؤولية ومشاقها بصدر رحب ،ويقف أمام الحوادث كالطود الأشمّ ،ويرفض الخضوع للظلم .وهذا التفكير يملأ الإنسان ثقة بأن الأعمالصالحها وطالحهالها جزاء وعقاب ،وبأنه ينتقل بعد الموت إلى عالم أرحب خال من كل ألوان الظلم ،يتمتع فيه برحمة الله الواسعة وألطافه الغزيرة .
الإيمان بالآخرة يعني شقّ حاجز عالم المادة والدخول إلى عالم أسمى .ويعني أن عالمنا هذا مزرعة لذلك العالم الأسمى ومدرسة إعدادية له ،وأنّ الحياة في هذا العالم ليست هدفاً نهائيّاً ،بل تمهيد وإعداد للعالم الآخر .
الحياة في هذا العالم شبيهة بحياة المرحلة الجنينية ،فهي ليست هدفاً لخلقة الإنسان ،بل مرحلة تكاملية من أجل حياة أخرى .وما لم يولد هذا الجنين سالماً خالياً من العيوب ،لا يستطيع أن يعيش سعيداً في الحياة التالية .
الإيمان بيوم القيامة له أثر عميق في تربية الإنسان .يهبه الشجاعة والشهامة ،لأن أسمى وسام يتقلده الإنسان في هذا العالم هو وسام «الشهادة » على طريق هدف مقدس إلهي ،والشهادة أحبّ شيء للإنسان المؤمن ،وبداية لسعادته الأبديّة .
الإيمان بيوم القيامة يصون الإنسان من ارتكاب الذّنوب .بعبارة أخرى: يتناسب ارتكابنا للذنوب مع إيماننا بالله واليوم الآخر تناسباً عكسياً ،فكلما قوي الإيمان قلت الذنوب ،يقول الله سبحانه لنبيّه داود: ( وَلاَ تَتَّبعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الحِسَابِ )( ص ،26 ) .
نسيان يوم الحساب أساس كل طغيان وظلم وذنب ،وبالتالي أساس استحقاق العذاب الشديد .
/خ5