{ والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون 4} .
{ والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك} والمراد{ بما أنزل إليك} الكتاب المنزل كله ،وإنما عبر عنه بلفظ المضيوإن كان بعضه مترقباتغليبا للموجود على ما لم يوجد .كما أن المراد من قوله:{ وما أنزل من قبلك} الكتب الإلهية السالفة كلها .وهذا كقوله تعالى:{ يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نزّل على رسوله والكتاب الذي أنزل من قبل}{[458]} الآية .والإنزال النقل من الأعلى إلى الأسفل .فنزول الكتب الإلهية إلى الرسل عليهم الصلاة والسلام بأن يتلقاها جبريل من جنابه عز وجل فينزل بها إلى الرسل عليهم السلام .ولهذا يقال:القرآن كلام الله ليس بمخلوق ،منه بدأ أي تكلم به حقيقة لا مجازا .
قال الإمام أحمد وغيره:وإليه يعود أي لا يبقى له أثر في الوجود أي هو المتكلم به .قال تعالى:{ والذين آتيناهم الكتاب يعلمون أنه منزّل من ربك بالحق}{[459]} .وقال تعالى:{ قل نزّله / روح القدس من ربك بالحق}{[460]} .وقال تعالى:{ تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم}{[461]} .
{ وبالآخرة هم يوقنون} الآخرة في الأصل:تأنيث الآخر هو نقيض الأول وهي صفة الدار ،بدليل قوله تعالى:{ تلك الدار الآخرة}{[462]} .سميت بذلك لأنها متأخرة عن الدنيا .وقيل للدنيا:دنيا ،لأنها أدنى من الآخرة .وهما من الصفات الغالبة .ومع ذلك فقد جريا مجرى الأسماء ،إذ قد غلب ترك ذكر اسم موصوفهما معهما ،كأنهما ليسا من الصفات .
والإيقان إتقان العلم بانتفاء الشك والشبهة عنه .وفي تقديم{ الآخرة} وبناء{ يوقنون} على{ هم} تعريض بأهل الكتاب ،وبما كانوا عليه من إثبات أمر الآخرة على خلاف حقيقته .كزعمهم أن الجنة لا يدخلها إلا من كان هودا أو نصارى{[463]} ؛ وأن النار لن تمسهم إلا أياما معدودة{[464]} ،واختلافهم في أن نعيم الجنة هل هو من قبيل نعيم الدنيا أو لا ؟ وهل هو دائم أو لا ؟ فاعتقادهم في أمور الآخرة بمعزل من الصحة ،فضلا عن الوصول إلى مرتبة اليقين !