/م2
{ الذين يؤمنون} أي يصدقون{ بالغيب} الغيب في الأصل مصدر غاب .بمعنى استتر واحتجب وخفي .وهو بمعنى الفاعلكالزور للزائرأطلق عليه مبالغة ،والمراد به ما لا يقع تحت الحواس ،ولا تقتضيه بداية العقول ،وإنما يعلم بخبر الأنبياء عليهم السلام .والمعنى يؤمنون بما لا يتناوله حسّهم .كذاته تعالى ،وملائكته ،والجنة ،والنار ،والعرش والكرسي ،واللوح ونحوها .
{ ويقيمون الصلاة} أي يؤدّونها بحدودها وفروضها الظاهرة والباطنة .كالخشوع والمراقبة وتدبر المتلوّ والمقروء .
قال الراغب:إقامة الصلاة توفية حدودها ،وإدامتها .وتخصيص الإقامة تنبيه على أنه لم يُرِد إيقاعها فقط .ولهذا ،لم يأمر بالصلاة ولم يمدح بها إلا بلفظ الإقامة نحو{ أقم الصلاة}{[451]} ،وقوله:{ والمقيمين الصلاة}{[452]} ،{ والذين/ يقيمون الصلاة}{[453]} .ولم يقل:المصلي ،إلا في المنافقين{ فويل للمصلين * الذين هم عن صلاتهم ساهون}{[454]} ،وذلك تنبيه على أن المصلين كثير والمقيمين لها قليلكما قال عمر رضي الله عنه:( الحاجّ قليل والركب كثير )ولهذا قال عليه السلام{[455]}:( من صلى ركعتين مقبلا بقلبه على ربه خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه ) .فذكر مع قوله: "صلّى "الإقبال بقلبه على الله تنبيها على معنى الإقامة ،وبذلك عظم ثوابه .وكثير من الأفعال التي حث تعالى على توفية حقه ،ذكره بلفظ الإقامة ،نحو{ ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل}{[456]} ونحو{ وأقيموا الوزن بالقسط}{[457]} تنبيها على المحافظة على تعديله .انتهى .
فالإقامة من أقام العود إذا قوّمه .و{ الصلاة} فعلة من صلّى إذا دعا ،ك{ الزكاة} من زكىوإنما كتبتا بالواو مراعاة للفظ المفخّموإنما سمى الفعل المخصوص بها لاشتماله على الدعاء .
{ ومما رزقناهم ينفقون} أي يؤتون مما رزقناهم من الأموال من شرع لهم إيتاؤه والإنفاق عليه من الفقراء والمساكين وذوي القربى واليتامى وأمثالهم ،على ما بيّن في آيات كثيرة .