لكنّ الله الذي بيده كلّ شيء حتّى النّار لا تحرق إلاّ بإذنه ،شاء أن يبقى هذا العبد المؤمن المخلص سالماً من لهب تلك النّار الموقدة ليضيف وثيقة فخر جديدة إلى سجل افتخاراته ،وكما يقول القرآن الكريم: ( قلنا يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم ) .
لا شكّ أنّ أمر الله هنا كان أمراً تكوينيّاً ،كالأمر الذي يصدره في عالم الوجود إلى الشمس والقمر ،والأرض والسّماء ،والماء والنّار ،والنباتات والطيور .
والمعروف أنّ النّار قد بردت برداً شديداً اصطكت أسنان إبراهيم منه ،وحسب قول بعض المفسّرين: إنّ الله سبحانه لو لم يقل: سلاماً ،لمات إبراهيم من شدّة البرد .وكذلك نقرأ في رواية مشهورة أنّ نار النمرود قد تحوّلت إلى حديقة غناء{[2534]} .حتّى قال بعض المفسّرين إنّ تلك اللحظات التي كان فيها إبراهيم في النّار ،كانت أهدأ وأفضل وأجمل أيّام عمره{[2535]} .
على كلّ حال ،فهناك اختلاف كبير بين المفسّرين في كيفية عدم إحراق النّار لإبراهيم ،إلاّ أنّ مجمل الكلام أنّه في فلسفة التوحيد لا يصدر أي مسبّب عن أي سبب إلاّ بأمر الله ،فيقول يوماً للسكّين التي في يد إبراهيم: لا تقطعي ،ويقول يوماً آخر للنار: لا تحرقي ،ويوماً آخر يأمر الماء الذي هو أساس الحياة أن يغرق فرعون والفراعنة !
/خ70