لكن القرآن المجيد كما مرِّ سابقاً ،لم يغلق طريق العودة أمام المجرمين في أي وقت من الأوقات ،بل يدعو المذنبين إلى التوبة ويرغبهم فيها ،ففي الآية التالية يقول تعالى هكذا: ( إلاّ من تاب وآمن وعمل عملا صالحاً فأُولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات ،وكان الله غفوراً رحيماً ) .
كما مرّ بنا في الآية الماضية ،ففي الوقت الذي ذكرت ثلاثة ذنوب هي من أعظم الذنوب ،تركت الآية باب التوبة مفتوحاً أمام هؤلاء الأشخاص ،وهذا دليل على أن كل مذنب نادم يمكنه العودة إلى الله ،بشرط أن تكون توبته حقيقية ،وعلامتها ذلك العمل الصالح ( المُعَوِّض ) الذي ورد في الآية ،وإلاّ فإن مجرّد الاستغفار باللسان أو الندم غير المستقر في القلب لا يكون دليلا على التوبة أبداً .
المسألة المهمّة فيما يتعلق بالآية أعلاه هي: كيف يبدل الله «سيئات » أولئك «حسنات » ؟
تبديل السيئات حسنات:
هنا عدّة تفاسير ،يمكن القبول بها جميعاً:
1حينما يتوب الإنسان ويؤمن بالله ،تتحقّق تحولات عميقة في جميع وجوده ،وبسبب هذا التحول والانقلاب الداخلي تتبدل سيئات أعماله في المستقبل حسنات ،فإذا كان قاتلا للنفس المحترمة في الماضى ،فإنّه يتبنى مكانها في المستقبل الدفاع عن المظلومين ومواجهة الظالمين .وإذا كان زانياً ،فإنّه يكون بعدها عفيفاً وطاهراً ،وهذا التوفيق الإلهي يناله العبد في ظل الإيمان والتوبة .
2أن الله تبارك وتعالى بلطفه وكرمه وفضله وإنعامه يمحو سيئات أعمال العبد بعد التوبة ،ويضع مكانها حسنات ،نقرأ في رواية عن أبي ذر: قال: قال رسول الله( صلى الله عليه وآله وسلم ): «يؤتى بالرجل يوم القيامة فيقال اعرضوا صغار ذنوبه ،وتخبأ كبارها ،فيقال: عملت يوم كذا وكذا ،وهو يقرّ ليس بمنكر ،وهو مشفق من الكبائر أن تجيء ،فإذا أراد الله خيراً قال: اعطوه مكان كل سيئة حسنة ،فيقول: يا ربّ لي ذنوب ما رأيتها ها هنا ؟» قال: ورأيتُ رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ضحك حتى بدت نواجذه ،ثمّ تلا: ( فأُولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات ){[2892]} .
3التّفسير الثّالت هو أن المقصود من السيئات ليس نفس الأعمال التي يقوم بها الإنسان ،بل آثارها السيئة التي تنطبع بها روح ونفس الإنسان ،فحينما يتوب ويؤمن تجتث تلك الآثار السيئة من روحه ونفسه ،وتبدل بآثار الخير ،وهذا هو معنى تبديل السيئات حسنات .
ولا منافاة بين هذه التفاسير الثلاثة قطعاً ،ومن الممكن أن تجتمع كل هذه التفاسير الثلاثة في مفهوم الآية .