تشير الآية التي بعدها إلى إحدى فضائل ومعاجز عيسى ( عليه السلام ) وهي تكلّمه في المهد ( ويكلّم الناس في المهد وكهلاً ومن الصالحين ) .فقد جاء في سورة مريم أنّه لدفع التهمة عن أُمّه تكلّم في المهد كلاماً فصيحاً أعرب فيه عن عبودّيته لله ،وعن كونه نبيّاً .
ولمّا لم يكن من الممكن أن يولد نبيّ في رحم غير طاهرة ،فإنّه يؤكد بهذا الإعجاز طهارة أُمّه .
«المهد » هو كلّ مكان يعدّ لنوم المولود حديثاً ،سواء أكان متحرّكاً أم ثابتاً والظاهر من آيات سورة مريم أنه ( عليه السلام ) تكلّم منذ بداية تولده ممّا يستحيل على كلّ طفل أن يقوم به في هذا العمر عادة ،وبهذا كان كلامه في المهد معجزة كبيرة .ولكن الكلام في مرحلة الكهولة{[569]} .أمر عادي .ولعلّ ذكره في الآية أعلاه مقارناً للحديث في المهد إشارة أن كلامه في المهد مثل كلامه في الكهوله والكمال لم يجانب الصواب والحقّ والحكم .
وتشير الآية كذلك إلى أنّ المسيح لا ينطق إلاَّ بالحقّ منذ ولادته حتّى كهولته ،وأنّه يواصل الدعوة إلى الله وإرشاد الناس ولا يفتر عن ذلك لحظة واحدة .
ولعلّ إيراد هذا التعبير عن المسيح ضرب من التنّبؤ بعودة المسيح إلى الدنيا ،إذ أنّنا نعلم من كتب التاريخ أنّ عيسى ( عليه السلام ) قد رُفِع من بين الناس إلى السماء وهو في الثالثة والثلاثين من عمره .وهذا يتّفق مع كثير من الأحاديث الواردة عن عودة المسيح في عهد الإمام المهدي ( عليه السلام ) ويعيش معه بين الناس ويؤيّده .
وبعد ذكر مناقب المسيح المختلفة يضيف إليها ( ومن الصالحين ) .ومن هذا يتّضح أنّ الصلاح من أعظم دواعي الفخر والاعتزاز ،وتنضمّ تحت لوائه القيم الإنسانية الأخرى .