وفي آخر آية من الآيات محل البحث ،يقع الكلام عن آية أُخرى من الآيات الآفاقية ،وذلك عن تدبير نظام السماء والأرض وبقائهما ودوامهما ،إذ تقول: ( ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره ) .
أي إنّ خلق السماواتالمشار إليه في الآيات السابقةليس آية وحده فحسب ،بل بقاؤها ودوام نظامها أيضاً آية أُخرى ،فهذه الأجرام العظيمة في دورانها المنظّم حول نفسها تحتاج إلى أُمور كثيرة ،وأهمّها المحاسبة المعقدة للقوّة الجاذبة والدافعة !
إنّ الخالق الكبير جعل هذا التعادل دقيقاً ،بحيث لا يعترض الأجرام أدنى انحراف في مسيرها ودورانها حول نفسها إلى ملايين السنين .
وبتعبير آخر: إنّ الآية السابقة كانت إشارة إلى «توحيد الخلق » وأمّا هذه الآية فهي إشارة إلى «توحيد الربوبية والتدبير » .
والتعبير بقيام السماء والأرض ،تعبير لطيف مأخوذ من حالات الإنسان ،لأنّ أحسن حالات الإنسان لأجل استدامة نشاطه هي حالة قيامه ،إذ يستطيع فيها أداء جميع حوائجه ،وتكون له السيطرة والتسلط الكامل على أطرافه .
والتعبير ب «أمره » هنا إشارة إلى منتهى قدرة الله ،إذ يكفي أمر واحد من قبله لاستمرار الحياة ،ونظم هذا العالم الوسيع .
وفي نهاية الآية وبالاستفادة من عامل التوحيد لإثبات المعاد ،ينقل القرآن البحث إلى هذه المسألة فيقول: ( ثمّ إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون ) .
ولقد رأينامراراًفي آيات القرآن أن الله سبحانه يستدل على المعاد بآيات قدرته في السماء والأرض ،والآية محل البحث واحدة من تلك الآيات .
والتعبير ب«دعاكم » إشارة إلى أنّه كما أنّ أمراً واحداً منه كاف للتدبير ولنظم العالم ،فإنّ دعوة واحدة منه كافية لأن تبعثكم من رقدتكم وتنشركم من قبوركم ليوم القيامة ،وخاصة إذا لاحظنا جملة ( إذا أنتم تخرجون ) فإنّ كلمة «إذا » تبين بوضوح مؤدى هذه الجملة ،حيث أنّها «فجائية » كما يصطلح عليها أهل النحو واللغة ،ومعناها: إذا دعاكم الله تخرجون بشكل سريع وفجائي .
والتعبير ب( دعوة من الأرض ) دليل واضح على المعاد الجسماني ،إذ يثب الإنسان في يوم القيامة من هذه الأرض «فلاحظوا بدقّة » .
/خ25