ثمّ تطرّقت الآية التالية إلى بيان حال مجموعتين: المؤمنين الخلّص ،والكفّار الملّوثين ،وتجعلهم مورد اهتمامها في المقارنة بينهم ،فقالت: ( ومن يسلم وجهه إلى الله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى ) .
والمراد من تسليم الوجه إلى الله سبحانه ،هو التوجّه الكامل وبكلّ الوجود إلى ذات الله المقدّسة ،لأنّ الوجه لمّا كان أشرف عضو في البدن ،ومركزاً لأهمّ الحواسّ الإنسانية ،فإنّه يستعمل كناية عن ذاته .
والتعبير ب ( وهو محسن ) من قبيل ذكر العمل الصالح بعد الإيمان .
والاستمساك بالعروة الوثقى تشبيه لطيف لهذه الحقيقة ،وهي أنّ الإنسان يحتاج لنجاته من منحدر الماديّة والارتقاء إلى أعلى قمم المعرفة والمعنويات وتسامي الروح ،إلى واسطة ووسيلة محكمة مستقرّة ثابتة ،وليست هذه الوسيلة إلاّ الإيمان والعمل الصالح ،وكلّ سبيل ومتّكأ غيرهما متهرّيء متخرّق هاو وسبب للسقوط والموت ،إضافة إلى أنّ ما يبقى هو هذه الوسيلة ،وكلّ ما عداها فان ،ولذلك فإنّ الآية تقول في النهاية: ( وإلى الله عاقبة الاُمور ) .
جاء في حديث نقل في تفسير البرهان عن طرق العامّة عن الإمام علي بن موسى الرضا( عليهما السلام ) عن النّبي الأكرم ( صلى الله عليه وآله ): «وسيكون بعدي فتنة مظلمة ،الناجي منها من تمسّك بالعروة الوثقى ،فقيل: يا رسول الله ،وما العروة الوثقى ؟قال: ولاية سيّد الوصيّين ،قيل: يا رسول الله ،ومن سيّد الوصيّين ؟قال: أمير المؤمنين ،قيل: يا رسول الله ومن أمير المؤمنين ؟قال: مولى المسلمين وإمامهم بعدي ،قيل: يا رسول الله ،ومن مولى المسلمين وإمامهم بعدك ؟قال: أخي علي بن أبي طالب »{[3269]} .
وقد رويت روايات أخرى في هذا الباب تؤيّد أنّ المراد من العروة الوثقى مودّة أهل البيت ( عليهم السلام ) ،أو حبّ آل محمّد ( صلى الله عليه وآله ) ،أو الأئمّة من ولد الحسين ( عليهم السلام ){[3270]} .
وقد قلنا مراراً: إنّ هذه التفاسير بيان للمصاديق الواضحة ،ولا تتنافى مع المصاديق الأخرى كالتوحيد والتقوى وأمثال ذلك .